يعد الإمام عروة بن الزبير، أحد الفقهاء السبعة في المدينة، وهو تابعي ومحدث ومؤرخ مسلم، وأحد المكثرين في الرواية عن خالته عائشة بنت أبي بكر زوجة النبي محمد، ومن الأوائل الذين سعوا إلى تدوين الحديث، كما كان له مساهمات رائدة في تدوين مقتطفات من بدايات التاريخ الإسلامي، أبوه الزبير بن العوام أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحواري رسول الله.
هو أبو عبد الله، عروة بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي، ولد في آخر خلافة عمر بن الخطاب، وقيل: في بداية خلافة عثمان، وعلى أرجح الأقوال سنة 23هـ، ونشأ وتربى في المدينة كما ربي سائر أترابه من أبناء الصحابة، ولا يُعلم شيء عن الفترة المبكرة من حياته سوى إشارات عابرة أتت في ثنايا مروياته، لكن يبدو أن نسبه من جانب، وحبه للعلم منذ صغره من جانب آخر، قد ميزاه على غيره من أقرانه.
يُعد عروة من الطبقة الثانية من أهل المدينة من التابعين، وعاش بالمدينة وروى الحديث عن كثير من الصحابة وتفقه على يد السيدة عائشة أم المؤمنين، وانتقل إلى البصرة ثم إلى مصر وعاد إلى المدينة فتوفي فيها، وبذل كل جهده ووقته للعلم، قال: «لقد كان يبلغني الحديث عن الصحابي فآتيه فأجده قد قال (من القيلولة) فأجلس على بابه أسأله عنه».
واعتبر عدد كبير من العلماء عروة بن الزبير مؤسساً لعلم التاريخ الإسلامي ورائداً من رواده الأوائل، فهو أول من صنف في المغازي، ووصل إلينا كثير من مروياته التاريخية متناثرة عند كتاب السير والتاريخ، وقد تناولت مرويات عروة الفترة المكية من حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وذكر فيها الإرهاصات التي سبقت نزول الوحي مثل حادث شق صدر النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعبده في غار حراء، ونزول الوحي عليه في سن الأربعين، وأول ما نزل من القرآن، وإسلام خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وتعليم جبريل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوضوء والصلاة، وإعلان الدعوة وموقف المشركين منها، وفتنة المسلمين تحت العذاب، وهجرة المسلمين إلى الحبشة، وسبب اختيارها للهجرة، حيث ذكر أنها كانت متجراً لقريش - أي مألوفة لأهل مكة - وكان بها ملك عادل لا يظلم عنده أحد، وبعض أسماء من هاجر إليها ومحاولة قريش إرجاع المسلمين المهاجرين إلى الحبشة.
وتحدث عروة في مروياته عن بعض مظاهر إيذاء المشركين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل رمي القاذورات عليه، والسخرية منه، وعن خروج أبي بكر الصديق مهاجراً، ثم عودته إلى مكة بعد أن أدخله ابن الدغنة في جواره، ومقابلة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لوفد يثرب إلى مكة وعرضه الإسلام عليهم، وبيعة العقبة الأولى، وبيعة العقبة الثانية، وفي كل ذلك يذكر الآيات القرآنية المرتبطة بكل حادث إن وجدت ويفسرها عند الحاجة.
عُرِف عن عروة الكثير من الصفات الحميدة؛ فهو محدث، فقيه، ثقة، عالم بالسِير، متجنب للفتن، وهو أول من صنف في المغازي، وأروى الناس للشعر، ومن الكرماء المعدودين، لكن صبره على المصائب، ورباطة جأشه مما يفوق التصور، ولقد اجتمعت عليه مصائب كثيرة، فما زادته إلا شكرًا لله، وصبرًا على ما ابتلاه الله به، يقول سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة: خرج عروة بن الزبير إلى الوليد بن عبد الملك فخرجت برجله آكلة فقطعها، وسقط ابن له عن ظهر بيت فوقع تحت أرجل الدواب فقطعته فأتاه رجل يعزيه فقال: بأي شيء تعزيني؟ ولم يدر بابنه فقال له رجل: ابنك يحيى قطعته الدواب. قال: وأيم الله لئن كنت أخذت لقد أعطيت، ولئن كنت ابتليت لقد عافيت، وقال: لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا. وظل يعرف بين الناس بعلمه، وحسن أخلاقه وسخائه وكان الناس يذكرونه بالخير دائماً، وقد وافته المنية سنة 94 ه عن عمر ناهز السبعين عاماً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة