عمل الاوليجاريشية الروسية أو "أصدقاء بوتين" كما يُطلق عليهم على نقل مليارات الدولارات من الأموال غير المشروعة إلى بنوك أجنبية ووضعوها فى شركات وهمية لجعل تعقبها وتتبع مصادرها أمرا ليس بالسهل.
ومع بدء الحرب الروسية فى أوكرانيا، اتخذت العديد من دول أوروبا والغرب، وفى مقدمتهم الولايات المتحدة وبريطانيا، خطوات لتعقب تلك الأموال والثروات فى محاولات للضغط على اقتصاد روسيا لوقف عمليته العسكرية التى بدأت فى 24 فبراير الماضي.
يقول مركز الأبحاث الأمريكى "أتلانتيك كاونسل"، إن الروس لديهم نحو تريليون دولار مما يطلق عليه اسم "الأموال السوداء" المخبأة فى الخارج، وقدر تقرير صادر عن المركز عام 2020 أن ربع هذا المبلغ يتحكم فيه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ودائرته المقربة المعروفة باسم "الأوليجارش".
ووفقا لشبكة بى بى سي، قال تقرير اتلانتيك كاونسل: "يمكن استغلال هذه الأموال وتوجيهها من قبل الكرملين للتجسس والرشوة والتلاعب السياسى والتضليل والعديد من الأغراض الشائنة الأخرى".
وتقول مؤسسة أمريكية أخرى، وهى الصندوق الوطنى للديمقراطية، إن المقربين من بوتين قاموا بالسرقة من ميزانية الدولة، وابتزاز الأموال من الشركات الخاصة، وحتى تنظيم الاستيلاء المباشر على الشركات المربحة"، مشيرة إلى أنهم بهذه الطريقة كونوا ثروات شخصية تصل إلى عشرات المليارات.
وتشير وثائق باندورا، التى أصدرها الاتحاد الدولى للصحفيين الاستقصائيين، إلى أن الأشخاص المقربين من بوتين أصبحوا أثرياء للغاية - ويمكن أن يساعدوه فى التصرف بثروته الخاصة بحرية كبيرة.
تاريخيا كانت قبرص الوجهة الأبرز للكثير من هذه الأموال، كونها تتمتع بنظام ضريبى يبدو مواتيا ومغريا لأصحاب تلك الأموال، وباتت تعرف بالنسبة للبعض باسم "موسكو البحر المتوسط".
ووفقا لمركز "اتلانتيك كاونسل" الأمريكي، ذهب 36 مليار دولار من الأموال الروسية إلى قبرص فى عام 2013 وحده وقد وصل الكثير منها عبر شركات وهمية تُستخدم لإخفاء هوية المالكين الحقيقيين.
وفى عام 2013، قامت قبرص بإغلاق عشرات الآلاف من الحسابات المصرفية التى تحتفظ بها شركات وهمية بناء على طلب من صندوق النقد الدولي، كما تعد أقاليم ما وراء البحار البريطانية مثل جزر فيرجن البريطانية وجزر كايمان من الوجهات المفضلة أيضا للأموال السوداء.
قال تقرير صادر عن مؤسسة "جلوبال ويتنس" Global Witness إنه فى عام 2018 كان لدى الأوليجارشية الروسية ما يقدر بنحو 45.5 مليار دولار فى هذه الملاذات الضريبية، كما تجد بعض هذه الأموال طريقا إلى العواصم المالية الكبرى مثل نيويورك ولندن، حيث يمكن استثمارها وجنى العوائد منها.
وتزعم منظمة الشفافية الدولية لمكافحة الفساد، أن ما لا يقل عن مليارى دولار من الممتلكات البريطانية مملوكة لروس متهمين بارتكاب جرائم مالية، أو لهم صلات بالكرملين.
وقد كُشف عن اتساع نطاق غسيل الأموال الروسى فى تقرير عام 2014 الصادر عن مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة وقالت إنه بين عامى 2011 و 2014، قام 19 بنكا روسيا بغسل 20.8 مليار دولار عبر 5140 شركة فى 96 دولة.
الطريقة المعتادة التى يخفى بها الأوليجارش الروس "أموالهم السوداء" فى الخارج هى من خلال الشركات الوهمية، يقول مركز أبحاث "أتلانتيك كاونسل": "يوظف هؤلاء الأوليجارش أفضل المحامين والمراجعين والمصرفيين وجماعات الضغط فى العالم لتطوير وسائل قانونية لإخفاء وغسل أموالهم".
وأضاف المركز أن الأوليجارشية الحقيقية لديها مجموعات كبيرة من الشركات الوهمية المجهولة فى عدد من الولايات القضائية الخارجية، وأموالها تتحرك بسرعة البرق بين تلك الشركات.
فى عام 2016 نشر الاتحاد الدولى للصحفيين الاستقصائيين وثائق بنما، التى أظهرت أن شركة واحدة بمفردها قد أنشأت 2071 شركة وهمية للروس الأثرياء.
فى أعقاب الحرب الاوكرانية، أعلنت عدد من الدول الغربية والأوروبية سلسلة من الإجراءات لتعقب الأموال الروسية.
ووفقا للتقرير، تقوم الولايات المتحدة، على سبيل المثال، بتشكيل فريق عمل جديد "كليبتو كابتشر" للحد من الموارد المالية للأوليجارش الروس، ومن المقرر أن يدير البنتاجون هذا الفريق الذى يهدف إلى مصادرة الأصول التى تم الحصول عليها بطرق غير شرعية.
واتخذت حكومة المملكة المتحدة خطوات لزيادة استخدامها لـ"أوامر الثروة غير المبررة"، والتى تلزم الناس بإثبات المصادر التى حصلوا منها على الأموال النقدية لشراء الأصول فى المملكة المتحدة، إضافة إلى ذلك تسمح أوامر تجميد الحسابات المصرفية (AFOs) للمحاكم بتجميد الأموال فى البنوك والمصارف، إذا اشتبهت فى أن تلك الأموال مرتبطة بصورة ما بنشاط إجرامي.
ووافقت الحكومة البريطانية على قانون الجرائم الاقتصادية، فيما يتعلق بسجلات الملكية، للممتلكات العائدة لكيانات خارجية، كما ألغت "مخطط التأشيرة الذهبية"، الذى كان يمنح حقوق الإقامة للأجانب الأثرياء إذا استثمروا مبالغ كبيرة من المال فى البلاد.
واتخذت مالطا وقبرص وبلغاريا القرار نفسه حيث تعتبر تلك الدول أيضا ملاذات ضريبية للأموال السوداء، وألغت مخططات جوازات السفر الذهبية المماثلة عام 2020.