تضرب موجة من الغلاء أوروبا جراء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ولا سيما مع ارتفاع أسعار الوقود والغاز الطبيعى، مما ترتب عليه تداعيات اقتصادية سلبية علي المواطن الأوروبي، الذي بات يعاني من ارتفاع أسعار مختلف السلع والبضائع والمواصلات، مما دفع المانيا لتقديم دعم نقدى لبعض الفئات المتضررة من الأوضاع الاقتصادية الصعبة .
وفى محاولة لتخفيف تأثير الأزمة، أقرت الحكومة الألمانية حزمة إجراءات لتخفيف عبء ارتفاع أسعار الطاقة عن المواطنين، حيث شملت الإجراءات خفض ضريبة الطاقة على الوقود لمدة ثلاثة أشهر، ومنح كل عامل 300 يورو.
واعتبارا من عام 2024، يجب تشغيل كل نظام تدفئة يتم تركيبه حديثا باستخدام طاقة متجددة بنسبة 65 بالمائة، بالإضافة إلى اتخاذ تدابير "بأسرع وقت" لإلغاء الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية.
علاء ثابت : أسعار غير مسبوقة في الأسواق
من جانبه كشف علاء ثابت رئيس الجالية المصرية فى برلين أن هناك موجة غلاء غير مسبوقة تضرب ألمانيا، وبعض الدول الأوروبية نتيجة الازمة الاقتصادية الطاحنة.
أضاف ثابت لـ "اليوم السابع" أن الأزمة رفعت كل أسعار السلع بنسب تتراوح من 30% حتى 40%، موضحا أن البنزين تضاعف تقريبا من 1.5 يورو ل 2.5 يورو، وزيت الطعام ارتفع من 1 يورو لـ 4 يورو، واللحوم المفرومة من 6 يورو ل 9 يورو، وعلى ذلك كل المنتجات .
أشار إلى أن الحكومة ما تزال تدرس حزم لدعم المواطنيين لمواجهة الغلاء ودعم الأطفال ، إلا إنها ما تزال فى مرحلة الدراسة.
بدورها تسعى ألمانيا للحد من تداعيات الحرب وكنتيجة للارتفاع القياسي في أسعار الطاقة، فقد سجل معدل التضخم في ألمانيا خلال الشهر الجاري معدلات هي الأعلى منذ نحو 40 عاما.
أعلن المكتب الاتحادي للإحصاء في ألمانيا بحسب وسائل اعلام غربية ووكالات انباء ، ارتفاع معدل التضخم في مارس الحالي بـ 7.3 % مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، وهو أعلى مستوى له منذ نحو 40 عاما وفقا للخبراء. وارتفعت أسعار المستهلكين في الشهر الجاري بنسبة 2.5 % مقارنة بفبراير الماضي.
ويعتبر العامل الرئيسي في ارتفاع التضخم هو ارتفاع أسعار الطاقة والوقود في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ في الرابع والعشرين من الشهر الماضي.
وكان "حكماء الاقتصاد" في ألمانيا بحسب دويتشة فيله قد ناشدوا في وقت سابق المستهلكين إلى توفير الطاقة. وقالت مونيكا شنيتشر، العضوة بمجلس "حكماء الاقتصاد" الذي يقدم النصح للحكومة الألمانية فيما يتعلق بالشؤون الاقتصادية: "يتعين على المواطنين الآن خفض استهلاكهم"، موضحة أنه يتعين على المواطنين الآن اللجوء إلى الاستخدام المشترك للسيارات والقيادة بسرعة أبطأ واستخدام وسائل النقل العام قدر الإمكان.
وانتقدت شنيتشر الإجراءات التي تعتزم الحكومة الألمانية اتخاذها، والمتعلقة بإبقاء سعر البنزين أقل مما هو عليه فعليا. وقالت فيرونيكا جريم، العضوة أيضا في مجلس "حكماء الاقتصاد"، إنه من المهم إرسال إشارات تبين احتمال وجود وضع متفجر حال توقف إمدادات الطاقة الروسية، موضحة أن مثل هذه الإشارات من الممكن أن تكون على سبيل المثال تطبيق حد عام للسرعة على الطرق السريعة.
كما يخشى خبراء الاقتصاد في ألمانيا من أن الأزمة الأوكرانية سينجم عنها الكثير من المشكلات وخصوصاً تزايد خطر الدخول في دوامة الأسعار-الأجور إلى جانب أزمات أخرى في الغذاء والطاقة، مع بقاء معدل التضخم مرتفعا.
كما يرى خبراء اقتصاد من مؤسسات مالية واقتصادية ألمانية رائدة زيادة خطر التضخم الدائم بسبب الأزمة الأوكرانية.
وقالت الخبيرة الاقتصادية فيرونيكا غريم في مسح أجرته وكالة الأنباء الألمانية: "زاد خطر دوامة الأجور والأسعار بشكل كبير". وقال مارك شاتنبرغ، الخبير لدى مؤسسة "دويتشه بنك ريسيرتش": "يزداد احتمال أن نشهد دوامة الأسعار-الأجور على المدى المتوسط".
وقالت فريتسي كولر-غايب، كبيرة الاقتصاديين لدى بنك التنمية الألماني "كيه إف دابليو"، المملوك للدولة: "التضخم يمكن أن يستمر في الارتفاع أو يثبت مؤقتاً على الأقل"، موضحة أن العواقب الاقتصادية للغزو الروسي لأوكرانيا ستكون فادحة في كافة الأحوال بالنسبة لألمانيا.
وتبنت كاتارينا أوترمول، الخبيرة لدى مجموعة "أليانز" الألمانية للتأمين وجهة نظر مماثلة، حيث قالت: "الاقتصاد الألماني يواجه أوقاتاً صعبة. تُظهر المؤشرات المبكرة المتراجعة أن الغزو الروسي لأوكرانيا بمثابة إعلان عن مرحلة مفصلية في الاقتصاد".
وتتوقع أوترمول نمواً اقتصادياً في ألمانيا هذا العام بنسبة 1.8 بالمائة فقط، مع تضخم يبلغ معدله 6 بالمائة في المتوسط خلال هذا العام. وبالنسبة للتضخم يتمثل هدف البنك المركزي الأوروبي في إبقائه في نطاق 2 بالمائة.
ومع ذلك، أكدت أوترمول أنه لا توجد حالياً مؤشرات قاطعة على إجراء اتفاقيات مرتفعة للأجور، وقالت: "في ضوء حالة عدم اليقين الاقتصادي المتزايدة بشكل كبير، أفترض أيضاً أن النقابات ستقلص جزئيا مطالبها المتعلقة بالأجور"، موضحة أن هذا وارد أيضا لأن الدولة تخفف الأعباء عن الأسر.
ويخشى شاتنبرج أيضاً تداعيات ذلك على سوق العمل، ويقول: "من الممكن أن يتباطأ التعافي في سوق العمل على المدى القصير أو حتى يتوقف"، مشيراً في المقابل إلى أنه من المتوقع في مارس الجاري تسجيل انخفاض جديد في معدل البطالة.
ومن المقرر أن تعلن الوكالة الاتحادية للتوظيف إحصائياتها لشهر مارس الخميس المقبل (31 مارس).
ولا يزال شاتنبرغ متفائلاً نسبياً بشأن النمو الاقتصادي، حيث قال: "لقد عدلنا توقعاتنا للنمو بشكل كبير نزولاً"، مضيفاً في المقابل أنه لا يزال يتوقع نموا بنسبة 2.7 بالمائة إذا لم يكن هناك توقف لإمدادات الغاز من روسيا.
وبحسب فيرونيكا غريم، سيتعين على الألمان التكيف مع الأسعار المرتفعة على المدى الطويل، وقالت: "حتى لو لم يحدث توقف في الواردات (الروسية)، فإن الغاز من الموردين الآخرين سيكون أكثر تكلفة"، مضيفة أنه من المهم الآن التوسع سريعا في الطاقة المتجددة، وقالت: "علينا أن نبذل كل ما في وسعنا"، موضحة في المقابل أنه لا يمكن تحقيق هذا التعويض قبل فترة تترواح بين ثلاثة وخمسة أعوام.
من جانبها قررت أكبر سلاسل البيع بالتجزئة في ألمانيا، على خلفية العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا وما تلتها من عقوبات ضد موسكو، رفع أسعار المواد الغذائية.
وذكرت صحيفة "فوكس" أن أرخص نوع من الزبدة على سبيل المثال، سيرتفع قريبا، وسيتوجب دفع 1.89 يورو مقابل عبوة سعة 250 غراما، كما يتوقع أيضا أن ترتفع أسعار الأجبان، حيث ينتظر أن يرتفع أرخصها إلى 2.39 يورو، فيما متوسط سعرها حاليا 1.99 يورو.
ومن المتوقع أيضا، حسب الصحيفة، أن ترتفع أسعار النقانق والحمص والمربيات والشوكولاتة.
وقيل في ووقت سابق أن مشاكل سلسلة التوريد، ونقص العمالة، وارتفاع تكلفة الكهرباء والغاز، كانت كلها وراء الارتفاع غير المسبوق في أسعار المواد الغذائية والمشروبات في بريطانيا.
وتأثر قطاع الأغذية والمشروبات بشكل ملحوظ بالارتفاع الأخير في أسعار الطاقة، فيما أفاد حوالي 60٪ من ممثلي الصناعة بأنهم عانوا من زيادة في أسعار الطاقة في مارس من هذا العام، مقارنة بـ 38٪ في جميع القطاعات الأخرى.
بعد بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة لنزع السلاح والقضاء على النازية في أوكرانيا، كثف الغرب من ضغوطه على موسكو. ووجهت القيود في المقام الأول ضد القطاع المصرفي وتوريد منتجات التكنولوجيا الفائقة، فيما ارتفعت عاليا الدعوات لتقليل الاعتماد على موارد الطاقة الروسية في أوروبا، إلا أن كل ذلك تحول عمليا إلى مشاكل اقتصادية للدول الغربية، ما تسبب في ارتفاع حاد في أسعار الوقود والغذاء.