من بين نساء عديدات فى مسيرة التاريخ الإنسانى، تظل قصة أم موسى، والدة النبى موسى وهارون وزوجة عمران بن قاهت، صاحبة النفس الذكية، وقلب نقى، وكانت على دين آبائها يعقوب وإسحاق، وكانت مثلاً صادقاً لكل امرأة تريد أن تستلهم رشدها من ربها عز وجل، وتتلقى منه الأوامر والنواهى بالقبول والطاعة.
لم يذكر القرآن اسم أم سيدنا موسى عليه السلام صراحةً، ولم يَرد كذلك في السنة النبوية المطهَّرة، وقد اختلف العلماء في تحديد اسمها، فقيل: محيانة بنت يصهر بن لاوي، وقيل: يوكابد بنت لاوي بن يعقوب، وقيل: يارخا، وقيل: يارخت، وقيل غير ذلك.
ولدت وعاشت في مصر، كانت كريمة الأصل، عريقة المنبت، مؤمنة صالحة، تزوَّجت عمران بن قاهت بن لاوي بن سيدنا يعقوب -عليه السلام.
ذكرت قصة أم موسى في موضعين من القرآن الكريم، أولهما في سورة طه، والأخرى في سورة القصص، وتتحدث تلك الآيات عن أنها تلقت وحيًا بأن ترضع ابنها موسى ثم تضعه في صندوق وترميه في النيل خوفًا من بطش فرعون، فكان حينها يقتل كل أبناء بني إسرائيل بسبب حلمًا رآه أن مصرعه سيكون على يد طفل من بنى إسرائيل، ومع ذلك الوحى، كان هناك وعدًا من الله سبحانه وتعالى بأنه سيحفظه ويرده إليها ويجعله من المرسلين.
يفسر الطبرى الآيات السابقة ملفتًا النظر أن الوحي الذي أنزل على أم موسى ليس وحيًا كوحى الأنبياء، وإنما هو وحى قذفه الله تعالى فى قلبها.
فى نبوءة فرعون بمصرعه على يد طفل من بنى إسرائيل كان قراره بأن يذبح كل من ولد من بنى إسرائل سنة ويتركوا سنة، ففى السنة التى يذبحون فيها ولدت أم موسى، واختلف المفسرون فى العمر الذى ألقته فيه فى النيل، حيث قال البعض أن ذلك حدث بعد ميلاده بأربعة أشهر وذلك لأنه حين يبلغ ذلك العمر يصعب كتمه لصياحه طلبًا للإرضاع.
وقال بعض المفسرون أنها كانت تضع له صندوقًا في بستان بجوار النيل، وكانت تأتيه كل يوم لترضعه وكان يكفيه ذلك، بينما قال آخرون أنها ألقته بعد أن انجبته وارضعته في تابوت صنعه لها أحد النجارين.
وما إن وصل موسى -عليه السلام- إلى أمه حتى أقبل على ثديها، ففرحت الجوارى بذلك فرحًا شديدًا، وذهب البشير إلى امرأة فرعون، فاستدعت أم موسى، وأحسنت إليها، وأعطتها مالا كثيرًا – وهى لا تعرف أنها أمه، ثم طلبتْ منها أن تُقيم عندها لترضعه فرفضتْ.
وقالت: إن لى بعلا وأولادًا، ولاأقدر على المقام عندك، فأخذته أم موسى إلى بيتها، وتكفلت امرأة فرعون بنفقات موسى، وبذلك رجعت أم موسى بابنها راضية مطمئنة، وعاش موسى وأمه فى حماية فرعون وجنوده، وتبدل حالهما بفضل صبر أم موسى وإيمانها، ولم يكن بين الشدة والفرج إلا يوم وليلة، فسبحان من بيده الأمر، يجعل لمن اتقاه من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة