مما لا شك أن مسلسل الاختيار أعاد الروح للدراما الرمضانية من جديد، بل أعاد الريادة للفن المصرى بعد مرحلة من الانحراف والانحدار من تصدر أعمال البلطجة والجريمة والعنف للشاشات والفضائيات، والأهم أنه خلق حالة من الوطنية العائلية التي كانت غائبة عنا بفعل عصر الحداثة والسوشيال ميديا، كما أعاد ملاحم البطولة المصرية للمؤسسات المصرية ورجال هذه المؤسسات الذين يعملون دائما في الظل، ولا يظهر من بطولاتهم إلى النور إلا القدر القليل جدا، ليغيروا مصير مصر من السقوط فى الهاوية إلى البقاء والشموخ.
كما أعاد "الاختيار 3 - القرار" حالة الحوار والنقاش الوطنى.. فها هو الابن يتناقش مع الأب والأم وكذلك الأخت في أحداث تاريخية كانوا شهودا عليها وعاصروها، حالة جديدة تدعو إلى ترسيخ الانتماء والولاء، فلا تاريخ مزيف، ولا معلومات مغلوطة، إنما أحداث عمرها سنوات تُعد على أصابع اليد الواحدة تجسد دراميا في حبكة فنية أكثر من رائعة، مليئة بوثائق وتسجيلات أضافت لها مصداقية وكشفت كثيرا من الخفايا التي كانت تدار خلف الأبواب المغلقة، لتكتمل الصورة بشكل واضح وجلى أمام المشاهد، كيف كانت التحديات والمخاطر التى تحاك ضد الوطن؟ وكم التكلفة التى بُذلت من أجل البقاء والوحدة؟ وكم من الدماء التي قدمت حتى تظل راية الوطن عالية خفاقة؟.
والمؤكد أن مسلسل الاختيار بأجزائه الثلاث أصبح بمثابة وثيقة تاريخية درامية ممزوجة بالوثائق تتضمن الحقائق الكاملة بالصوت والصورة، لكثير من الأحداث والتصرفات لدى كثير من التنظيمات التي لا هدف لها سوى السلطة أو تدمير الوطن وتنفيذ الأجندات الأجنبية، وتحقيق مصالحها الخاصة، واختطاف مصر من المصريين لحساب جماعة إرهابية هدفها خدمة مصالح وأجندات خارجية خبيثة، لذلك أعتقد أننا أمام ملحمة وطنية تسجل بأحرف من نور أحداث ووقائع واحدة من أكبر المعارك الوطنية في التاريخ الحديث، وكيف حُميت مقدرات الوطن والشعب من أيادى الدمار والخراب؟.
وما يجب الانتباه إليه أن صناع العمل، كان لديهم عبقرية فى دقة الصورة، ولغة الحوار، وقوة الإخراج بجانب التدقيق في المعلومات وترتيب الأحداث، الأمر الذى أضفى لمسة فنية وجمالية للعمل، لتصبح الحلقة الواحدة بمثابة فيلم سينمائى كامل، ونموذجا ما رأيناه فى الحلقة السابعى من أحداث الاتحادية وممقتل فارس الصحافة الحسيني أبو ضيف، وكيف تصدرت لقطات الحلقة منصات وترندات مواقع التواصل الاجتماعى فى مشهد بالغ التأثير والتأثر.
وعظمة هذه الوثائق التي عرضت بالصوت والصورة، أثبتت صدق وإخلاص نوايا المؤسسات الوطنية ورجالها، الذين لم يبخلوا بتقديم النصيحة للإخوان وقت حكمهم، إلا أن المخططات الخبيثة للجماعة الإرهابية أعمت عيونهم، كما لم يبخل أبناء مؤسسات الدولة المصرية في التضحية بدمائهم من أجل مصر والمصريين.
باتت الحقائق التى عرضها مسلسل الاختيار كوعاء ماء مثلج ثم إلقاؤه على وجوه كثير من أعضاء التنظيمات الإرهابية ومؤيديهم، خاصة أن الكثير منهم ما زال مغيبا ويدافع عن قياداتهم لتأت هذه الوثائق وتكشف جرائم هذه القيادات، ومؤامراتهم تجاه وطنهم، وأن ما يدعونه في الملأ خلاف ما يدبرونه في الخفاء.
وأعتقد، أن الاختيار 3 كان بمثابة شعلة نور حقيقية لفئة ليس بالقليلة، ألا وهى فئة المتطوعين أو المؤيدين دون أن يكونوا كوادر أو داخل التنظيم، وإنما تأييدهم لهذه التنظيمات والجماعات والمذاهب يأتى فى إطار سياسة غسل العقول "بـ قال الله وقال الرسول والمتاجرة بالدين"، لتدرك هذه الفئة أنه كان هناك غمامة على أعينهم، ولسان حالهم "معقول ما نراه ونشاهده الآن، وإلى هذا الحد وصل الكذب والتدليس وتوظيف كلام الله وسنة الحبيب لخدمة أغراض دنيوية بهذه الحقارة"، غير أن هذا المسلسل وجه رسالة تنشيطية لذاكرة الرأى العام بأن وضع له الصورة كاملة أمامه، خاصة أن مفهوم الإرهاب قد تغير في ظل عصر السوشيال ميديا، فلم يعد يقتصر على التفجيرات، بل بات هناك نوع أخطر هو قتل الهوية وهدم الشخصية من الداخل، إرهاب قائم على تزييف الوعى وتخريبه.
وأخيرا، نستطيع القول، إننا أمام ملحمة فنية وعمل درامى يقوده صناعه بكل إتقان وضمير، في ظل وجود أداء تمثيلي عالٍ لأبطال العمل، ياسر جلال وأحمد عز والسقا، فالكل يؤدى دوره بجدارة، لذلك أصبحنا أمام عمل تجتمع فيه كل عناصر النجاح، فتحية تقدير لصناع هذا العمل الفني الذى يعد إحياءً للقوة الناعمة الفنية من جديد.