حينما دخل الفريق عبدالمنعم رياض، إلى مكتب العاهل الأردنى الملك حسين بن طلال، واتخذ مقعده بدعوة منه أمامه فى 1 مايو، مثل هذا اليوم، 1967، لاحظ «رياض» على الفور أن الملك يبدو مهموما، وكان سؤاله الأول عن الأحوال، كان اللقاء فى العاصمة الأردنية عمان، وكان عبدالمنعم رياض يشغل وقتئذ منصب «رئيس هيئة أركان حرب القيادة العربية الموحدة»، حسبما يذكر الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، فى كتابه «حرب الثلاثين سنة - الانفجار 1967».
يكشف هيكل أن «رياض» ذهب إلى عمان بدعوة مفاجئة تلقاها من الأردن يوم 28 إبريل 1967، تستدعيه لمقابلة خاصة مع الملك فى أسرع وقت ممكن، فحمل الدعوة وذهب بها إلى مكتب رئيسه الفريق أول على عامر، وكان مجاورا لمكتبه فى مبنى القيادة العامة بضاحية مصر الجديدة، لمناقشته فيها، يذكر «هيكل»، أن الرسالة أثارت دهشة الاثنين «عامر» و«رياض» فقبلها بأسابيع قليلة، وطبقا لـ«هيكل»، قرر الأردن وقف تعامله بالكامل مع كل المؤسسات التى أنشأتها مؤتمرات القمة العربية، ومن بينها «القيادة العربية الموحدة»، وبالرغم من ذلك استقر الاثنان على أن يسافر «رياض» ومعه تقرير من القائد العام لقوات القيادة العربية الموحدة، يتعرض لآخر تطورات الموقف، كما اتصل بالمشير عبدالحكيم عامر نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية، واستطلع رأيه فى النقاط الواردة فى التقرير الذى يحمله.
يؤكد «هيكل»، أن الملك حسين كان يحمل تقديرا عميقا لعبدالمنعم رياض الذى سافر تلبية للدعوة، وفى بداية لقائهما، سأل «حسين» عن الأحوال العامة، فأجاب «رياض»: «تبدو فى منتهى الخطورة، فعدا ما يعرفه الملك بالتفاصيل عن أوضاع العمل العربى الموحد، فإن الأحوال فى إسرائيل نفسها لا بد أن تثير قلق كل الذين يهمهم أمر العالم العربى ومستقبله، فهناك أزمات بدأ ظهورها فى الاقتصاد أدت إلى زيادة عدد العاطلين، ثم إن هناك ظاهرة هجرة متزايدة من يهود إسرائيل إلى مواطنهم الأصلية، وهناك خلافات داخلية على مستوى السياسة العليا، يتعلق بعضها بمشكلة الأمن، وكل هذا من شأنه أن يجعل الإسرائيليين فى حالة عصبية يحتمل معها أن يقدموا على أية مغامرة».
يذكر «هيكل»، أن «رياض» لاحظ أن الملك كما يبدو من ملامحه مشغولا بشىء آخر، فسكت منتظرا أن يسمع، وكان ما سمعه مفاجئا له، يصف «هيكل» الحالة التى كان عليها «الملك»: «بدا فى بداية حديثه مترددا تجىء كلماته بطيئة، وكأنه يفكر فى كل كلمة يقولها وفى كل حرف، وأحس «رياض» أن ما يسمعه خطير، فاستأذن الملك بأن يكتب بعض النقاط مما يسمع حتى لا يضيع منه شىء، وسمح له الملك وإن كان رجاه فى معاملة ما يسمعه بأقصى درجات السرية، وأن ينقله إلى شخص واحد فقط، وهو الرئيس جمال عبدالناصر، فماذا قال الملك؟
يجيب هيكل بأن الملك بدأ فى سرد ما يريد، قائلا: «هناك فخ يدبر للجمهورية العربية المتحدة وللرئيس جمال عبدالناصر، فهناك محاولة لتوريطهم فى حرب مسلحة لا تلائمهم ظروفها، وإن الجماعة فى سوريا مخترقون، وبعضهم متواطئ مع جهات لديها خططها، والفكرة الأساسية فى هذه الخطط الآن هى إشعال الموقف على الجبهة السورية بما يفرض على مصر أن تقوم بأى عمل لنجدة سوريا، وهنا تصبح مصر هى الهدف الأول للمؤامرة ويجرى ضربها، وهو (الملك) يريد أن تصل رسالته هذه إلى الرئيس جمال عبدالناصر بأسرع ما يمكن، ويرجو أن يتأكد الرئيس أن دافعه إليها هو واجبه القومى وليس أى سبب آخر، وهو يتمنى أن تؤخذ رسالته على محمل الجد، ولا تحمل على محمل موقفه من بعض الأطراف المعنية فى دمشق».
يذكر «هيكل»، أن «رياض» حاول أن يستوضح من الملك أكثر مما قاله، لكن الملك لم يبد أى استعداد لتجاوز ما قاله، وعاد «رياض» إلى القاهرة متوجها إلى مكتبه، يؤكد «هيكل»: «جلس عبدالمنعم رياض يكتب تقريرا بخط يده إلى الرئيس جمال عبدالناصر، ثم توجه إلى مكتب الفريق أول «على عامر» يستأذنه طبقا للتقاليد العسكرية وتسلسل مراتب القيادة أن يتولى إرساله مغلقا إلى الرئيس، وطبقا لنفس التقاليد فإن «على عامر» بعث بالخطاب إلى المشير عبدالحكيم عامر، طالبا إرساله إلى مكتب رئيس الجمهورية، وحتى يوم 13 مايو لم يكن هذا الخطاب وصل إلى يد عبدالناصر، ولما عرف من «رياض» بوجوده، سأل عنه، وقرأه ظهر يوم 14 مايو، لكن وكما يعلق هيكل: «كان الوقت متأخرا».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة