"الحاجة أم الاختراع" ليست مجرد عبارة عابرة، بل إنها أصابت كبد الحقيقة، أمس واليوم وقطعا غدا.. وإذا كانت الحاجة هي الحافز الأساسى فإن الصناعة الوطنية، هي البديل المناسب للواردات والتخلى عنها، سواء بشكل مباشر أو بشكل تدريجى، ولا سيما في ظل التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمى فيما يتعلق بالأزمات المتعلقة بالصادرات والواردات ومشاكل سلاسل الامداد كنتيجة مباشرة لتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ونتيجة تداعيات جائحة كورونا وهو ما قد يمتد لسنتين قادمتين بحسب تقديرات دولية .
وإذا كان الأمل والنجاح ينبتان من وسط الحرب والمعاناة؛ فإن الاستفادة من الازمات وتحويلها من محن لمنح يقود الدول للتقدم وللصعود، ولتجاوز التحديات العالمية عبر تعميق الصناعة المحلية والاستغناء عن الواردات، بما يضمن قوة الاقتصاد وتوفير متطلباته الإنتاجية .
ومن بين الصناعات التي تعرضت لمشكلات تتعلق بالواردات واستيراد المادة الخام، صناعة الغزل والنسيج التي تضررت نتيجة تكدس البوليستر، وعدم وصوله للمصانع بالكميات المطلوبة، بجانب ارتفاع أسعار الأقطان، ما ضاعف من أسعاره وأدى لخفض بعض المصانع طاقتها الإنتاجية تزامنا مع ارتفاع أسعار الاقطان نتيجة تضرر الزراعات في الهند والصين وبعض الدول .
وفي مصر يتم استيراد منتجات غزول ونسيج وملابس بنحو 5 مليارات دولار سنويا بحسب تقديرات اقتصادية، منها 3.8 مليار دولار منسوجات وملابس عام 2021، وفقًا لبيانات هيئة الرقابة على الصادرات والواردات، ومنها أقطان ب 542 مليون دولار عام 2020 ، وبوليستر وفاسكوز بنحو 1.2 مليار دولار، وبالتالي يمكن استغلال الأزمة الحالية في إنتاج تلك الغزول محليا للاستفادة من مبلغ ال 5 مليارات دولار، وتوفير المادة الخام للمصانع والسؤال كيف يتم ذلك؟.
وفيما يتعلق البوليستر يمكن تصنيعه محليا عبر البوليستير الريسيكل وهذا سيكون كمثل ضرب عصفورين بحجر واحد فالبوليستر الريسيكل يحمى البيئة بشكل كبير ويدعم مفهوم الاقتصاد الأخضر، لأنه يتم تصنيعه من زجاجات المياه، بدلا من القائها في الشوارع والمياه ولا يحتاج لطاقة كبيرة وغير ملوث للبيئة تماما، بل ويساهم في حماية البيئة وبالتالي يمكن تصنيعه محليا وتوفير نحو 2 مليار دولار قيمة فاتورة البوليستر سنويا .
هذا الأمر ليس بالصعوبة خاصة أن تصنيع البوليستر الريسيكل لا يحتاج إلى تقنيات عالية ، بل مصانع صغيرة بالفعل موجودة في مصر ويحتاج الى جمع الزجاجات وتنظيفها، ثم تكسيرها وتصنيعها خيوط وتصنيع الملابس منها او خلطها بالأقطان .
هذا التوجه سيساعد مصر أيضا على الحصول على دعم دولى، ولا سيما أن الأمم المتحدة تدعم مبادرة تصنيع الملابس من البولستر الريسيكل، وهناك نحو 120 بيت أزياء يصنعون بالفعل الملابس من البوليستر الريسيكل بدلا من البولسستر الفيرجن كما يتوافق مع تنظيم مصر لقمة المناخ مؤتمر الاطراق cop 27 في مدينة شرم الشيخ خلال شهر نوفمبر المقبل .
الأمر الثانى يعتمد على زيادة مساحات الاقطان قصيرة التيلة ؛لتلبية احتياجات المصانع ،وبالتالي توفير نحو 3 مليارات دولار سنويا قيمة استيرادها واستيراد بعض الملابس سنويا، وهذا يمكن تنفيذه العام المقبل بالتوسع في زراعة الأقطان القصيرة بعد نجاح التجربة الموسم الماضى وزراعة ألف فدان الموسم الجارى يمكن زيادتها الى 50 ألف أو 100 ألف فدان بعيدا عن مناطق زراعات القطن طويل التلية وفى مناطق معزولة ، تلبى احتياجات المصانع المحلية جنبا الى جنب مع القطن المصرى طويل التيلة ،والذى لابد من تعظيم قيمته، والحد من تصديره وتصنيعه وإضافة قيمة مضافة يمكن من خلالها تعظيم إيرادات المصانع المصرية ، تزاما مع ارتفاع الزراعات المتوقع زراعتها من القطن طويل التلية لنحو 450 ألف فدان الموسم الجارى .
وعلاوة على أن وزارة قطاع الأعمال العام تستهدف تصدير منتجات ب 10 مليارات دولار سنويا من مشروع تطوير مصانع الغزل والنسيج والملابس التابع للشركة القابضة للقطن والغزل بعد اكتمال المشروع الذى يتكلف نحو 21 مليار جنيه .
كل المعطيات السابقة تؤكد أن الأزمة الحالية يمكن الاستفادة منها بشكل كبير في دعم صناعة الغزل والنسيج وزيادة الصادرات تدريجيا وتوسيع التعاون مع الولايات المتحدة الامريكية من خلال اتفاقية الكويز، خاصة أن دول مثل فيتنام وبنجلاديش صادرتها السنوية من المنسوجات والملابس تزيد على 30 مليار دولار، وهى لا تقارن بإمكانيات وموقع مصر على الاطلاق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة