فى مثل هذا اليوم عام 1955، تشكل حلف وارسو كرد فعل على قرار الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين إدراج ألمانيا الغربية ضمن منظومة "حلف شمال الأطلسى"، الذي يعرف اختصاراً باسم "ناتو"، والذى تم تشكيله عام 1949 بوصفه تحالفاً عسكرياً بين الولايات المتحدة وكندا والعديد من الدول الأوروبية، لمواجهة التهديد التوسعى البرى الداهم للسوفيات على أبواب أوروبا الغربية.
ففى عام 1954، صوت الناتو لصالح قبول ألمانيا الغربية، التي سمح بإعادة تسليحها، عضواً في الحلف، الأمر الذى جعل موسكو ترد عن طريق تشكيل "حلف وارسو"، الذي ضم في عضويته التأسيسية: الاتحاد السوفياتي وألمانيا الشرقية وبولندا والمجر ورومانيا وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا، وألبانيا التي انسحبت لاحقاً عام 1968، وفي عام 1963، سعت منغوليا للانضمام إلى حلف وارسو، لكنها حصلت على وضعية "عضو مراقب" إثر ضغوط سياسية مارستها الصين التي أرادت إبقاء جارتها الشمالية في وضع حيادي.
وظهر حلف وارسو نتيجة للمعاهدة التي عُقِدت بين مجموعة من الدُّول؛ بقصد إنشاء مُنظَّمة للدفاع المتبادل، حيث أُطلِق عليها اسم (مُعاهدة وارسو للصداقة، والتعاون، والمساعدة المتبادلة)، وكان السبب المباشر لهذه المُعاهدة خلافًا لاعتراف الدول الغربية بألمانيا الغربية، وضمّها لمنظمة حلف شمال الأطلسي في اتفاقية باريس، ورغبة الاتحاد السوفيتي في تعزيز السيطرة السوفيتيّة على أقماره الصناعية التي هي عبارة عن برنامج أوجَده الزعيمان السوفيتيّان (نيكيتا خروتشوف، ونيكولاي بولكانين) في أوائل عام 1955م، كما نصت المُعاهدة على أن الاتفاق سيحل إذا ما حصل اتفاق أمني مُشترك بين الشرق، والغرب؛ فهو بذلك وسيلة لتعزيز الموقف التفاوضي للاتحاد السوفيتي في الدبلوماسية الدولية.
وأُنشئ حلف وارسو؛ للحفاظ على الاتّحاد السوفيتي كهدف رئيسيّ، بالإضافة إلى الدفاع عن الدُّول الأعضاء ضِدَّ حلف الناتو، إلّا أنَّ الحلفَ كانت له مجموعة من الأنشطة بحجَّة الحفاظ على الدُّول الأعضاء، ومن أهمّ هذه الأعمال التي حفظتها السجلّات التاريخيّة لحلف وارسو غزوُ تشيكوسلوفاكيا.
وبعد مرور 20 سنة من إنشاء الحلف، تمّ تجديد المُعاهدة حسب ما نصَّ عليه أحد بُنود الاتّفاقية، وذلك عام 1985م، إلّا أنَّ الحِلف بدأ يضعف، وخاصّة بعدما أُدخلت تعديلات البيريسترويكا من قبل (ميخائيل غورباتشوف)، والتي أعادت تعريف العلاقات السوفيتية في دول أوروبا الشرقية، مما زاد التطلعات الوطنية في أوروبّا الشرقيّة، بالإضافة إلى تراجُع الحالة الاقتصاديّة، وتغيُّر المشهد السياسيّ سنة 1987م؛ حيثُ حاول الاتّحاد السوفيتيّ التكيُّف مع الأوضاع؛ فأجرى تعديلاً على مبدأ مُنظَّمة التجارة العالميّة؛ للتأكيد على طابعها الدفاعيّ، وبالرغم من ذلك فإنَّ الحلف استمرَّ بالانهيار حتى أعلنت ألمانيا توحُّدها، فكان هذا التحوُّل السياسيّ خَرقاً لا يُمكن إصلاحه، وفي الأوَّل من شهر يوليو سنة 1991م، أُعلِن في اجتماعٍ أخير لقادة الحِلف في براج أن الحلف غير موجود، وتمّ سحب قوات الاتحاد السوفيتي من البلدان المُستقلة، وانضمَّت دُوَل حِلف وارسو إلى حزب الناتو عدا روسيا السوفيتيّة.
وفي الرابع عشر من مايو عام 1991، انهار "حلف وارسو"، الذي أرعب بعدته القارة الأوروبية طيلة 36 عاماً، في أعقاب إعلان أعلى هيئة عسكرية سوفياتية تخليها عن قيادة جيوش دول أوروبا الشرقية السابحة في فلك موسكو، وقد شكّل ذلك الحدث آنذاك، أحدث علامات فقدان سيطرة الاتحاد السوفياتي السابق على حلفائه الأوروبيين عقب انتهاء الحرب الباردة مع دول المعسكر الغربي.
أمّا أكثر الأحلاف العسكرية رسوخاً واستمراراً في عصرنا الراهن فهو بلا منازع "حلف شمال الأطلسي" (الناتو)، الذي تأسس في أبريل 1949، كقوة موازنة للقوة السياسية والعسكرية المتنامية للاتحاد السوفياتي آنذاك، لكن بعض الخبراء الاستراتيجيين يتوقعون للناتو مصيراً مشابهاً لوارسو.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة