تواجه أوروبا حالة من الاضطرابات الشديدة حول الغاز الروسى والشحنات التى تتوجه إليها عبر أوكرانيا، وذلك بعد أن خفضت شركة جازبروم الروسية الشحنات بنسبة 30%، كما قطعت الشركة الامدادات عبر خط أنابيب الغاز الذى يمر ببولندا ثم توقفت عن إرسال الغاز إلى الموزع فى ألمانيا، مما يجعل أوروبا يداهمها الوقت للتوصل إلى البدائل المناسبة.
وتعتبر هذه الاجراءات ضربة لأوروبا يجعل الاتحاد الأوروبى مضطر إلى أن ينأى بنفسه عن احتياطات الطاقة الروسية الهائلة، حيث أنه مقدار الضخ إلى أوروبا انخفض الثلث، ويفترض أن تضخ محطة سودجا 50,6 مليون متر مكعب أمس الخميس فى حين أنه قبلها بيوم واحد كان 72 مليون متر مكعب، وفقا لصحيفة "لابانجورديا" الإسبانية.
إلا أن الأرقام التى أعلنتها الشركة الأوكرانية المشغلة لخطوط الأنابيب جاءت مغايرة بعض الشيء، إذ أشارت إلى إعادة ضخ 53 مليون متر مكعب الخميس مقابل 73 مليون متر مكعب الأربعاء.
ويحمّل كل طرف المسؤولية للطرف الآخر، ومنذ أيام تشير أوكرانيا إلى عدم قدرتها على إعادة ضخ الغاز عبر منشآت المحطة القريبة من سوخرانيفكا فى منطقة لوجانسك، وطلبت كييف من جازبروم ضخ كميات إضافية إلى محطة سودجا.
ارتفاع الأسعار
وقفزت أسعار الغاز فى أوروبا بنسبة 20% لتتجاوز عتبة الـ1200 دولار لكل ألف متر مكعب، بعد عقوبات فرضتها روسيا على شركات الطاقة الأوروبية.
وبحسب بيانات ICE Futures، فقد ارتفعت تكلفة العقود الآجلة للغاز لشهر يونيو على مؤشر أكبر مركز أوروبى TTF منذ افتتاح جلسة التداول، فى الصباح بلغت 1085.8 دولارًا (+ 6.4% مقابل سعر تسوية يوم الأربعاء البالغ 1020.7 دولار)، وواصلت الأسعار نموها لتصل إلى سعر أقصاه 1233.9 دولار (+ 20.9%).
وقال سيمون تاجليابيترا، عضو فى مركز أبحاث بروجيل: "الآن بعد أن بدأنا فى رؤية هذه المشاكل المختلفة، فإن هذا يوضح لماذا لا ينبغى لأوروبا أن تأخذ إمدادات الغاز كأمر مسلم به". وأضاف أن "الحكومات يجب أن تتصرف الآن كما لو كانت فى حالة طوارئ".
وكانت روسيا فرضت عقوبات على 31 شركة أجنبية. وكانت شركة جازبروم جرمانيا وشركة EuRoPol Gaz، مشغل القسم البولندى من خط أنابيب الغاز يامال-أوروبا، على القائمة، حيث قال المتحدث باسم الكرملين دميترى بيسكوف أمس الخميس "لن تكون هناك علاقات مع هذه الشركات، فهى ببساطة محظورة".
وقال وزير الاقتصاد الألمانى روبرت هابيك، الذى تعد بلاده أحد المشترين الرئيسيين للغاز الروسى، إن روسيا أوقفت إمداد شركات جازبروم جرمانيا التابعة لكنها أمنت إمدادات بديلة.
فى الشهر الماضى، أوقفت موسكو الصنابير عن بولندا وبلغاريا، وفاء بوعد الرئيس فلاديمير بوتين بقطع تدفق الغاز إلى الدول "غير الصديقة" التى رفضت دفع فواتيرها بالروبل، بدلاً من اليورو أو الدولار، المنصوص عليها فى عقودها.
فى عام 2021، شكلت روسيا حوالى 45٪ من إجمالى واردات أوروبا من الغاز،ويهدف الاتحاد الأوروبى إلى خفض استهلاكه من الغاز الروسى بنسبة 66٪ بنهاية العام، لكنه لم يقدم بعد خطة مفصلة لكيفية تحقيق ذلك.
أوكرانيا تغلق الصنابير
على الرغم من الحرب الدائرة منذ أكثر من شهرين، استمر الغاز الروسى فى التدفق غربًا، ومعظمه عبر خطوط الأنابيب فى أوكرانيا. لكن شركة تشغيل نظام نقل الغاز فى أوكرانيا قالت إنها علقت شحنات الغاز عبر نقطة عبور سوخرانيفكا، التى تعالج ما يصل إلى 32.6 مليون متر مكعب فى اليوم، وهذا يمثل حوالى ثلث الغاز الروسى الذى يتدفق عبر أوكرانيا إلى أوروبا.
وألقى الأوكرانى باللوم على "تدخل قوات الاحتلال" فى إعلان تعليق الطريق. واتهم القوات الروسية بالتلاعب فى نقطة العبور وتحويل الغاز، نتيجة لذلك، قال المشغل أن "استقرار وسلامة نقل الغاز الأوكرانى بالكامل" قد تعرض للخطر، واضطر إلى تعليق تدفقات الغاز.
ويعتبرالتأثير الأوسع، فى الوقت الحالى، محدود. على الرغم من أن أوكرانيا تنقل فى المجمل حوالى 30٪ من إمدادات الغاز الروسية إلى أوروبا، وفقًا لخدمات استخبارات السلع المستقلة، فإن خط الأنابيب المتأثر يمثل 2.3٪ فقط من إجمالى إمدادات الغاز فى أوروبا.
قال توم مارزيك مانسر، رئيس تحليل الغاز فى ICIS، أن نمو الغاز والطقس الملائم والحجم القياسى لواردات الغاز الطبيعى المسال إلى أوروبا الشهر الماضي، مشيرة إلى أنه يتم توفير السوق بشكل جيد فى الوقت الحالى، مع مراعاة كل الأشياء".
مع ذلك، يثير الإغلاق الاحتمال غير المريح لمزيد من اضطرابات إمدادات الغاز فى أوروبا مع استمرار القتال، قد تؤدى التداعيات إلى اضطراب الأسواق ودفع أسعار الطاقة المرتفعة بالفعل إلى الارتفاع.
إعادة توجيه تدفقات الغاز
وفقًا لكاترينا فيليبينكو، المحللة الرئيسية لإمدادات الغاز العالمية فى Wood Mackenzie، فإن إغلاق سوخرانيفكا يؤدى إلى نقص قدره 16 مليون متر مكعب يوميًا. قائلة أن "هناك قدرة مادية كافية لتعويض هذا الاضطراب بشكل كامل".
قالت شركة الغاز الأوكرانية إنها قد تزيد أحجام الغاز عند نقطة عبور أخرى، تسمى Sudzha، والتى تقع غربًا فى الأراضى التى تسيطر عليها الحكومة الأوكرانية، ولكن جازبروم رفضت حجز تدفقات إضافية عبر هذا الطريق البديل، قائلة إنه سيكون "مستحيلاً من الناحية الفنية".
ومع ذلك، قال فيلبينكو أن التأثير سيكون طفيفًا وينبغى أن تواصل أوروبا الوفاء بأهداف تخزين الغاز بحلول نهاية هذا العام.
ووفقا للبيانات فإن مرافق تخزين الغاز فى الاتحاد الأوروبى ممتلئة بنسبة 37%، وهذا رقم طبيعى لهذا الوقت من العام، لكنه بعيد عن هدف 80٪ الذى حدده التكتل لشهر نوفمبر.
المزيد من الإغلاق؟
يقول المحللون إنه مع استمرار الحرب، لا يمكن استبعاد المزيد من التخفيضات على أهم طرق نقل الغاز، وقال تاجليابيترا أن التوترات قد تتصاعد أكثر الأسبوع المقبل عندما من المقرر أن تسدد المزيد من شركات الطاقة الأوروبية مدفوعات الغاز لروسيا.
وأضاف "ما زلنا ننتظر من مفوضية الاتحاد الأوروبى أن تقول ما إذا كان الدفع بالروبل يشكل انتهاكا للعقوبات أم لا". "لذلك فى الأسبوعين المقبلين قد نرى اضطرابات محتملة، لا يمكننا أن نأخذ إمدادات الغاز كأمر مسلم به."
كما قال كوشال راميش، محلل الغاز قطاع الغاز الطبيعى المسال فى شركة Rystad Energy، أن الاتحاد الأوروبى يجب أن ينشئ تحالفًا للمشترين، حيث تقوم الدول بشكل مشترك بإصدار شحنات الغاز من جميع الموردين "فى أقرب وقت ممكن". " من التنافس على نفس الإمدادات من هذا الوقود ورفع الأسعار.
ستكون البلدان فى وسط وشرق أوروبا الأكثر تأثراً بشكل مباشر بانخفاض تدفقات الغاز الروسى عبر أوكرانيا، وفقاً لمذكرة بحثية أعدتها مجموعة أوراسيا الاستشارية.