ثلاثة أشهر مرت على بداية الحدث الذى قلب العالم رأسا على عقب فى غضون أسابيع، وترددت أصداؤه فى مختلف أنحاء المعمورة، وهو الحرب الروسية فى أوكرانيا. فسواء كانت غزوا كما تسميها الصحف الغربية، أو عملية عسكرية كما تطلق عليها موسكو، فإن تداعياتها الاقتصادية كانت هائلة وغير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، وفاقمت من وضع الأزمة التي يواجهها الاقتصاد العالمى بالفعل بسبب وباء كورونا.
وفى تقرير له فى أبريل الماضى، قال صندوق النقد الدولى إن أسعار الوقود والغذاء، زادت زيادة سريعة وقع تأثيرها الأكبر على الفئات السكانية الضعيفة في البلدان منخفضة الدخل، وتوقع الصندق تباطؤ النمو العالمي من 6.1% تقريبا في عام 2021 إلى 3.6% فى عامي 2022 و2023. ويمثل ذلك تراجعا قدره 0.8 نقطة مئوية و0.2 نقطة مئوية في عامي 2022 و2023 مقارنة بتوقعات يناير.
وفيما بعد عام 2023، تشير التنبؤات إلى تراجع النمو العالمي إلى حوالي 3,3% على المدى المتوسط. وفي ضوء ارتفاع أسعار السلع الأولية واتساع دائرة الضغوط السعرية نتيجة الحرب، وصلت معدلات التضخم المتوقعة لعام 2022 إلى 5.7% في الاقتصادات المتقدمة و8.7% في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، متجاوزة بذلك توقعات يناير بمقدار 1.8 نقطة مئوية و2.8 نقطة مئوية.
وكان صندوق النقد الدولى قد حذر بعد أسابيع قليلة من بدء الصراع العسكرى، من أنه سيكون ضربة قوية للاقتصاد العالمى ستضر بالنمو وترفع الأسعار.
وقال التقرير إن الاقتصاد العالمى بأسره سيشعر بآثار تباطؤ النمو وزيادة سرعة التضخم. وسوف تتدفق هذه الآثار من خلال ثلاث قنوات رئيسية. أولا، ارتفاع أسعار السلع الأولية كالغذاء والطاقة سيدفع التضخم نحو مزيد من الارتفاع، مما يؤدي بدوره إلى تآكل قيمة الدخول وإضعاف الطلب. وثانيا، الاقتصادات المجاورة بصفة خاصة سوف تصارع الانقطاعات في التجارة وسلاسل الإمداد وتحويلات العاملين في الخارج كما ستشهد طفرة تاريخية في تدفقات اللاجئين. وثالثا، تراجع ثقة مجتمع الأعمال وزيادة شعور المستثمرين بعدم اليقين سيفضيان إلى إضعاف أسعار الأصول، وتشديد الأوضاع المالية، وربما الحفز على خروج التدفقات الرأسمالية من الأسواق الصاعدة.
وبما أن روسيا وأوكرانيا من أكبر البلدان المنتجة للسلع الأساسية، وفى مقدمتها القمح والزيوت، فقد أدت انقطاعات سلاسل الإمداد إلى ارتفاع الأسعار العالمية بصورة حادة، ولا سيما أسعار النفط والغاز الطبيعي، وشهدت تكاليف الغذاء قفزة في ظل المستوى التاريخي الذي بلغه سعر القمح، حيث تسهم كل من أوكرانيا وروسيا بنسبة 30% من صادرات القمح العالمية.
كما أشار تقرير صندوق النقد الدولى، إلى أن الزيادة الحادة فى أسعار الغذاء والوقود من شأنها أن تدفع إلى مخاطر أكبر من حدوث قلاقل في بعض المناطق، من إفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية إلى القوقاز وآسيا الوسطى، بينما من المرجح زيادة انعدام الأمن الغذائي في بعض أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط.
مسألة انعدام الأمن الغذائي على وجه التحديد هي أكثر ما يثير القلق. وقال تقير لمعد السلام الأمريكي إنه فى 81 دولة يعمل فيها برنامج الغذاء العالمى، فإنه من المتوقع أن يزيد الجوع الحاد بإضافة 47 مليون شخص، ليرتفع إجمالى من يعانون من الجوع الحاد من 276 مليون إلى 323 مليون، فى قفزة بلغت نسبتها 17%.
من بين التداعيات الاقتصادية القوية للحرب أيضا، العقوبات الهائلة التي فرضها الغرب على روسيا، والتي تصاعدت على مدار أسابيع. ففي البداية قررت الولايات المتحدة وبريطانيا حظر النفط الغاز والنفط الروسى، كما تعهد الاتحاد الأوروبى بإنهاء اعتماده على صادرات الغاز من روسيا بحلول 2023.
وتم تجميد أصول البنك المركزى الروسى يمنع من استخدام 630 مليار دولار من احتياطيه من العملة الأجنبية. وحظرت الولايات المتحدة روسيا من استخدام أصولها فى البنوك الأمريكيىة والتي تقدر بـ 600 مليون دولار، مما يجعل من الصعب على روسيا دفع ديونها الدولية.
وتمت إزالة أغلب البنوك الروسية من نظام المراسلة المالى الدولى "سويفت"، والذى من شانه ان يؤخر مدفوعات روسيا من صادرات الطاقة.
وقامت بريطانيا بطرد البنوك الروسية من نظامها المالى، وجمدت أصول كل البنوك وحظرت الشركات الروسية من اقتراض امال ووضعت قيوا على ودائع الروس فى البنزك البريطانية.
وبينما حظرت الولايات المتحدة كل صادرات النفط والغار الروسى إليها، وضعت بريطانيا خطة لإنهاء وارادت النفط الروسى بنهاية العام الجارى، وقال الاتحاد الأوروبى إنه سيوقف أيضا واردات الفحم الروسى بحلول أغسطس المقبل. كما أعلنت عشرات الشركات الغربية غنهاء اعمالها فى روسيا
وفيما يتعلق بالأفراد، استهدفت الدول الغربية ما يقرب من ألف من الروس بالعقوبات، وتمت مصادرة أملاك العشرات من رجال الأعمال الروس المعروفين باسم الأوليكارش، وكان أبرزهم رئيس نادى تشلسيى رومان براموفيتش، الذى اضطر لبيع النادى ومغادرة بريطانيا، على الرغم من دور الوساطة الذى قام بيه بين الرئسين الروسى فلاديمير بوتين والأوكرانى فولوديمير زيلينسكى.
ونتيجة لذلك قامت روسيا بمنع صادرات أكثر من 200 منتج حتى نهاية 2022، بما فى ذلك مواد زراعية وطبية وعتاد وغيرها. وحظرت مدفعات الفائدة للمستثمرين الأجانب الذين يملكون سندات حكومية، ومنعت الشركات الروسية من دفع أموال للمساهمين فى الخارج.كما أعلنت وزارة الخارجية الروسية عن مجموعة من العقوبات ومنع لمسئولين كبار على رأسهم الرئيس الأمريكي جو بايدن من دخول الأراضى الروسية.