أسباب متعددة واختيارات مثيرة للجدل، وتوقيتات ربما تكون ذات دلالة.. هذا ما أحاط بقرارات العفو الرئاسى فى الولايات المتحدة الأمريكية على مدار تاريخها، وعلى امتداد وتعاقب رؤسائها.. فما بين عفو عن "أهل الثقة"، ومنح الفرصة الثانية لمن حاولوا تغيير واقعهم الذى قادهم خلف الأسوار، تباينت اختيارات الرؤساء الأمريكيين واختلفت، فكيف كان هذا الاجراء، وما هى أبرز الأسماء التى عادت للنور بموجبه.
امتياز عمره 235
وتاريخيا، اعتاد رؤساء الولايات المتحدة اصدار قرارات عفو رئاسى قبل مغادرتهم البيت الأبيض بالتزامن مع انتهاء ولايتهم الرئاسية إلا أن البعض يمنح العفو خلال مدته، ويرجع امتياز العفو الرئاسى لعام 1787 وهو منصوص عليه فى المادة الثانية من الدستور.
ويمكن للرئيس أن يتصرف فقط فى الجرائم الفيدرالية وليس جرائم الولاية، ويؤدى العفو إلى إلغاء الإدانة الجنائية، فيؤدى تخفيف العقوبة إلى تقصير أو إنهاء عقوبة السجن.
تسببت قرارات العفو الرئاسى فى اثارة الجدل منذ إقرارها، فى السنوات الأولى للولايات المتحدة خاصة بعد لجوء بعض الرؤساء لما يسمى بـ "العفو الوقائي" حيث أصدر جيرالد فورد عفواً عن ريتشارد نيكسون عن جميع الجرائم التى قد يكون قد ارتكبها، كما أصدر جيمى كارتر عفواً عن معظم الذين تهربوا من مسودة حرب فيتنام.
كما أثار بيل كلينتون ضجة عندما أصدر عفوا عن عشرات الأشخاص فى آخر يوم له فى المنصب، بمن فيهم أخيه غير الشقيق روجر.
بايدن يمنح 3 أمريكيين "فرصة ثانية" لحياة جديدة
ومنذ أيام، لجأ الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى امتياز العفو الرئاسي بعد 15 شهراً من ولايته للمرة الأولى منذ دخوله البيت الأبيض، حيث أصدر عفواً عن 3 أشخاص وخفف العقوبات الجنائية الصادرة بحق 75 آخرين، وذلك بحسب ما نشرته مجلة بولتيكو التى كشفت معلومات هامة عن المشمولين بقرار العفو الرئاسي.
وقدم بايدن الرأفة إلى عميل الخدمة السرية فى عهد كينيدى المدان بالرشوة لمحاولته بيع نسخة من ملف رسمى للوكالة، وإلى شخصين أدينا بتهم تتعلق بالمخدرات ولكنهما تحولا ليصبحوا ركائز فى مجتمعاتهم.
وبحسب التقرير، حصل أبراهام بولدن الأب، 86 عامًا، أول عميل من أصول افريقية فى وكالة الخدمة السرية يخدم فى مهمة رئاسية على عفو.
فى عام 1964، واجه بولدن الذى خدم فى التفاصيل الخاصة بالرئيس جون إف كينيدي، تهم رشوة فيدرالية بأنه حاول بيع نسخة من ملف الخدمة السرية خلال محاكمته الأولي.
وبعد إدانته فى محاكمة ثانية، حرم بولدن من إعادة محاكمته وقضى عدة سنوات فى السجن الفيدرالي، لكنه تمسك ببراءته وكتب كتابًا جادل فيه أنه مستهدف بسبب حديثه ضد السلوك العنصرى وغير المهنى فى الخدمة السرية.
كما خفف الرئيس الامريكى الأحكام الصادرة على 75 آخرين بتهم تتعلق بالإدانات غير العنيفة والمتعلقة بالمخدرات، حيث أعلن البيت الأبيض مساء أمس عن قرارات العفو بالإضافة لإطلاق سلسلة من برامج التدريب على العمل والعودة للسجناء أو المفرج عنهم مؤخرًا.
أما العفو الثانى صدر لبيتى جو بوجانز البالغة من العمر 51 عاما وادينت فى عام 1998 بحيازة الكوكايين بنية التوزيع فى تكساس بعد محاولتها نقل المخدرات لصديقها وشريكه، وهى أم عازبة ليس لها سجل سابق، حُكم عليها بالسجن سبع سنوات، وفى السنوات التى تلت إطلاق سراحها من السجن، شغلت بوجانز وظائف ثابتة.
فيما جاء العفو الثالث لينقذ ديكستر جاكسون، 52 عاما من ولاية جورجيا الذى ادين عام 2002 لاستخدامه قاعة البلياردو لتسهيل تهريب الماريجوانا، واعترف جاكسون بالذنب واقر بأنه سمح لتجار الماريجوانا لاستخدام قاعته.
بعد إطلاق سراح جاكسون من السجن، حول عمله إلى خدمة إصلاح الهواتف المحمولة التى توظف طلاب المدارس الثانوية المحلية من خلال برنامج يوفر للشباب خبرة عملية، وقدم خدمات لمجتمعه حيث بنى وجدد عدد من المنازل فى الإسكان الميسور التكلفة.
ومع إعلان قائمة العفو والتخفيف الثلاثاء، أصدر بايدن منح رأفة أكثر من أى من الرؤساء الخمسة السابقين فى هذه المرحلة، وفقًا للبيت الأبيض.
بالإضافة إلى منح الرأفة، أعلن بايدن عن العديد من المبادرات الجديدة التى تهدف إلى مساعدة الأشخاص المسجونين سابقًا فى الحصول على عمل - وهى مشكلة تراها الإدارة الامريكية كمفتاح لخفض معدلات الجريمة.
وأكد بايدن أن المبادرات الجديدة ضرورية لمساعدة أكثر من 600 ألف شخص يُطلق سراحهم من السجن كل عام للحصول على حياة مستقرة وفرصة ثانية، قائلا: "إن مساعدة أولئك الذين قضوا وقتهم فى العودة إلى عائلاتهم ويصبحوا أعضاء مساهمين فى مجتمعاتهم هو أحد أكثر الطرق فعالية للحد من العودة إلى الإجرام وتقليل الجريمة".
ترامب و"ماراثون الليلة الأخيرة".. 144 عفو × 24 ساعة
الرئيس الحالى جو بايدن ليس الوحيد الذى يصدر قرارات العفو الرئاسي، حيث اثار سلفه دونالد ترامب جدلا كبيرا خلال الفترة الأخيرة له فى البيت الأبيض قبل انتهاء ولاياته بسبب قرارات العفو التى أصدرها لغرض حماية حلفائه والمقربين منه حتى أنه فكر فى إصدار عفو رئاسى عن نفسه خاصة بعد أحداث اقتحام الكونجرس فى 6 يناير 2021.
وخلال رئاسته منح دونالد ترامب الرأفة لـ 237 متهم أو مُدان بارتكاب جرائم فيدرالية 84% من الإعفاءات التى اقرها ترامب كانت خلال العام الأخير له فى المكتب البيضاوى من ضمنهم 144 فى اخر ليلة له فى البيت الابيض، وبشكل عام، منح ترامب رأفة أقل من أى رئيس.
شمل آخر قرارات ترامب 26 شخصا بينهم مستشارين سابقين له ووالد صهره جاريد كوشنر، وأعضاء كونجرس سابقين مدانين بجرائم فيدرالية، والأكثر إثارة للغضب مدانين بقتل مدنيين عراقيين، شمل العفو أيضا مستشار ترامب السابق جورج بابادولولوس، الذى أدين فى تحقيقات مولر أيضا لكذبه على العملاء الفيدراليين.
ريجان وبوش.. بصمات استثنائية فى قرارات العفو
وقبل شهرين من انتهاء ولايته، اصدر الرئيس جورج دبليو بوش عفواً عن 14 فرداً وخفف عقوبة السجن بحق شخصين آخرين، من بينهم مغنى راب، أدين بارتكاب جرائم تتراوح بين جرائم المخدرات والتهرب الضريبى، من انتهاكات الحياة البرية إلى اختلاس البنوك، ومنح بوش ما مجموعه 171 وثمانية تخفيفات.
وعلى الرغم من مرور اكثر من 10 سنوات على وفاته، مازال يعرف جورج إم شتاينبرينر الثالث بين مشجعى البيسبول باسم "الزعيم"، حيث حصل شتاينبرينر الثالث، الذى حولت مشاركته ودعمه لليانكيز إلى مؤسسة بمليار دولار، على عفو من الرئيس رونالد ريجان لتقديمه مساهمات غير قانونية لحملة نيكسون فى عام 1972.