الناقد الدكتور يوسف نوفل، أستاذ الأدب والنقد الأدبي بجامعة عين شمس، من أبرز النقاد وأكثرهم حضورا، وقد استطاع وهو المولود فى مدينة بور سعيد سنة 1938 أن يجد طريقه مبكرًا، حيث اختار الأدب إبداعا ونقدا، فكتب الشعر والسرد ومارس النقد انطلاقا من فكرة أن النقد إبداع أيضا، وناقش العديد من النصوص وألقى الضوء على العديد من تجارب التراثية والمعاصرة، وقد اختارت أمانة
دائرة الثقافة بالشارقة بالإمارات العربية المتحدة الدكتور يوسف نوفل لجائزة "الشخصية المكرمة"، فى دورتها التاسعة هذا العام، وذلك عن إسهاماته فى خدمة الثقافة العربية المعاصرة، لذا كان معه هذا الحوار:
لم يكتف يوسف نوفل بدوره الأكاديمى بل عبر سور الجامعة واختلط بالشارع الثقافى.. هل أفاد ذلك مشروعك النقدي؟
رسالة النقد الأدبى منوطة بمجتمعها، ومن ثم لا نقد دون التحام بالمجتمع الثقافي والتفاعل معه، وذلك يعطيه بقدر ما يأخذ منه وعنه، وهكذا كان الأساتذة محمد مندور وغنيمى هلال وأنور المعداوى وغيرهم، فقد رأيناهم فى صبانا فى الندوات والمؤتمرات والمسابقات. بل إنى لأزعم أن النقد عندى ابن مسابقات المجلس الأعلى للفنون والآداب فى مطلع الستينيات حيث كنت أحصل على جوائز متعددة وفى ليلة واحدة سلمنى يوسف السباعى خمس جوائز وهذه الجوائز هى التى حددت مسارى فى النقد أكثر منه فى الشعر أو القصة.
وهكذا نحن الآن نمارس النقد فى منافذ المجتمع الثقافية: الندوات والمؤتمرات واللقاءات والفضائيات والصحافة....إلخ، إلى جانب الممارسة الأكاديمية فى الجامعات المصرية والعربية وقد أفادنى ذلك كثيرا وبخاصة مع الانفتاح على المجتمع الثقافى العربى أثناء إعاراتى من جامعة عين شمس إلى جامعات: الكويت والسعودية والإمارات.
تنوعت تجربة الدكتور يوسف نوفل وجمعت النقد والشعر والسرد ورصد الظواهر والأفكار.. هل أديت رسالتك الإبداعية كاملة؟
هذا السؤال ينطبق على ما سميتهم (المبدعون النقاد/ النقاد المبدعون) فى كتابى الأخير "الشعر والتأويل"، وذلك من أمثال: عبد القادر القط وعز الدين إسماعيل.
وبالنسبة لى بدأت حياتى جامعا بين الفنون الثلاثة ثم نحيت القص القصيرة مبكرا، وظللت على ذلك حتى شارفت على الثمانين، فقررت عدم الاستجابة إلى شياطين الشعراء، لأن ذلك كان يشغلنى عن الوفاء بمتطلبات نقدية عديدة مجتمعيا وأكاديميا كان من المهم أن أقوم بإنجازها فى وقت محدد.
لكن المهم أن الجمع بين الإبداع السردى والشعرى مع النقد أفادنى فائدة عظمى ولطالما فتح أمامى مغاليق وسراديب وأعطانى مفاتيح القراءة والتأويل.
ومن الجانب العملى آمنت أن الناقد الجامع بين الجانبين أكثر فائدة للعملية النقدية عما سواه لوقوفه على مراحل التجربة الفنية من التقمص والتشكل والخلق والإبداع ثم القراءة العليا.
يوسف نوفل من رموز النقد التطبيقى.. هل هذا النوع من النقد فى أزمة الآن؟
من حرارة تجربة إبداع الشعر عندى منذ الستينيات فى خمسة دواوين آمنت أن النقد ليس استشهادا بأقوال خواجة أو تراثى، وليس إعادة عرض آراء جاهزة نسبت لقائلها أم لم تنسب.
وإنما النقد ابتكار وتحقيق عملى لمقولة "جان بول سارتر " (الناقد مبدع ثان )، ومن خلال نقدى شعر معظم المعاصرين كنت أجد منهم اتفاقا تاما مع تأويلاتى لشعرهم.
وصدقنى متعتى الفنية الحقيقية هى فى إعادة خلق العمل الفنى على نحو لم يغضب قائليه قط حتى الآن.
لكن من المهم الإشارة إلى أن تحليل النص يحتاج إلى مهارات عليا وهذا هو موضوع كتابى القادم (تحليل النص الشعرى أسسه وتطبيقاته)..
وأتفق معك أن هذا اللون من النقد فى أزمة. وأى أزمة!!!.
بسبب طغيان الرواية .. كيف ترى مستقبل القصيدة العربية؟ وهل تراجع نقد الشعر أمام نقد الرواية؟
الحق أن الشعر ديوان العرب فى ماضيها البعيد، وسجلّ مآثرها، ودليل وجودها فى "المنطقة"، وهو بذلك أكبر القرائن التى هى دليل وجودنا القديم، فى مواجهة أعداء العرب، فإذا امـّحى الشعر الحديث، وزال من الوجود وفى تبعيته – بالضرورة – الشعر القديم، امـّحتْ – بالقطع - هويّتنا القومية، أو انطمستْ اهـمّ معالم التراث الفكرى الحضارى العربى عبْر القرون للفنون جميعها.
ومن هنا تستطيع أن تقول بملء فيك: إنه لم يطغ جنس أدبى على آخر، ولا يخدعنك تلك الأغنية التى غناها بعضهم، ثم ترددت على طريقة الببغاوات؛ إذْ إنّ (زمن الرواية) تحريف للكلام عن موضعه، فقد عانى هذا الفن من الإهمال، فى أولياته ببيئات الأدب العربى حتى مطالع القرن الفائت، ومع انتشار منافذ الإعلام ظهرت فنونه تنافس الشعر فى مملكته الخالدة، وليس معنى ذلك أننا صرنا فى زمن فن واحد، بل المعنى الذى قصده الدكتور جاسم الموسوى فى كتابه (عصر الرواية) التأريخ لاستواء هذا الفن، ثم ردد البعض (الأغنية)، ومن ناحية أخرى ليس فى ذلك إحلال زمن فنّـى مكان زمن فنّـى آخر؛ فالفنون تتمازج الآن وتتقارب فى ضوء تطور نظرية الأنواع الأدبية تنتقل من (صرامة النوع، وحدّته ) إلى ( التمازج والتقارب)، وليس إلى الإلغاء والإفناء على نحو يتيح المجال للفنون جميعها، فما بالك والشعر ديوان العرب وسجل مآثرها كما قال ابن فارس قديما؟!!.
وقد فصّلـْت القول فى كتابى ( الشعر ديوان العرب: لا لـ"زمن الرواية") عن دار غراب، وهناك دليل آخر فقد أعددت على مدى أكثر من نصف قرن (موسوعة دواوين الشعر العربى الحديث فى العالم العربى ) فى أكثر من 1800 صفحة، ضامّـة أكثر من 8000 شاعر عربى من الخليج حتى موريتانيا، مبينة أن الشعر العربى الحديث ما زال ديوان العرب، واكتشفت اكتشافات عديدة، منها وجود حركة شعر مهجرى جديدة غير تلك الحركة التى شهدها القرنان التاسع عشر والعشرون، بدأت منذ أواسط القرن الفائت، فى بيئات أخرى غير تلك البيئات فى الأمريكتين والأرجنتين، كما كشفْت عن شعراء تجاهلها الدارسون أو جهلوها فى القرون الماضية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة