في منزله الأنيق البسيط بضاحية المعادى يجلس الدكتور وسيم السيسى عالم المصريات وطبيب المسالك البولية الشهير، موزعا جلساته وساعات النصف الثانى من يومه بين ثلاثة أمور، الرد على اتصالات ورسائل مرضاه، قراءة الكتب والأبحاث، متابعة شئون أسرته وأحبائه، لا يعنيه كثير مما يدور من الجدل اليومى على موقع التواصل الاجتماعى، ولا يخفى تغليبه لقضايا الهوية المصرية والتاريخ المصرى فوق كل ما يثور من أجله المجتمع والمثقفين، ظهر كثيرا في البرامج والقنوات، وكان له عشرات بل ومئات من الحوارات والمقالات، لكننا اخترنا في هذا اللقاء معه ببرنامج "أهلا بيك" عل تليفزيون اليوم السابع، أن يكون الحديث عن ما لم يتحدث فيه من قبل، وما قد يكون مفاجئا عن حياته وأفكاره ومواقفه، في الحوار التالى.
https://www.youtube.com/watch?v=o6oEvGh_Kbc&t=442s
الدكتور وسيم السيسى، لماذا – وأنت طبيب شهير- اخترت أن تظهر للجمهور كعالم مصريات وباحثا في التاريخ المصرى القديم؟
لأن مصر أهم من أي شيء، والحقيقة أنى شعرت أن عملى كطبيب قد يساهم في علاج مريض، لكن حديثى عن مصر وتاريخها، سيقدم لكل المصريين ما قد يساهم في علاج أزمات وأفات موجودة بالمجتمع، ولأن مصر أكثر بلد ظُلم على مر التاريخ، هذه البلد نُهبت وسُرقت على مدار عصور طويلة، وبالفعل لم تجد من يحنو عليها منذ التاريخ المصرى القديم إلا الرئيس عبد الفتاح السيسى، فلم أجد عبر التاريخ المصرى حاكما تبرع بنصف ثروته ونصف راتبه وتحمل كل هذه الأزمات والمشاكل الموروثه ليواجهها بشجاعة دون خوف على شعبية أو كرسى.
بالعودة إلى نشأة الدكتور وسيم السيسى وطفولته.. كيف كانت؟
أنا تربيت فى منطقة حدائق القبة، والتحقت بأحد المدارس الأمريكية بوسط البلد، وكانت طفولتى ليس بها شقاوة الأطفال، فكنت أحب القراءة، ومتعلق بها، وكان والدى لديه مكتبه ضخمة، إضافة إلى أننى كنت أجمع أشهر المجلات والكتب العلمية وأقرأها، فساهم ذلك فى تحصيلى بشكل جيد وارتباطى بالقراءة والثقافة والعلوم.
الدكتور وسيم السيسى فى برنامج أهلا بيك
ولماذا قررت الالتحاق بكلية الطب بالتجيد رغم أنك عاشق للتاريخ؟
كان لذلك قصة منذ الطفولة، فكانت عمتى تدرس الصيدلة، وكانت تعيش معنا، فكنت أراها وهى تشرح الضفدعة، فأثار ذلك فى ذهنى تساؤلات عديدة عن جسم الإنسان وتكوينه، فأحببت الدخول لكلية الطب ودراسة الجسم البشرى.
وماذا عن مرحلة الارتباط بعد الجامعة واختيار شريكة الحياة، ماذا كانت شروطك وأفكارك وقتها؟
الحقيقة إننى بعد العودة من الدراسة ببريطانيا، وفكرت فى الزواج، التقيت 17 فتاة تقريبا بحثا عن عروسة، لكنى رفضتهن جميعا، لأننى كنت أبحث عن فتاة تفكر فيما أقول وأنا جالس معها، وأشعر أن الكلام يمر على عقلها أولا بشكل جيد، وتفكر فيما تقول، لكنى لم أجد ذلك فيهن، حتى أنى ذات مرة التقيت فتاتين سويا، وأذكر أن والدة إحدى من قابلتهن طلبت منى فى جلسة التعارف شراء سيارة مرسيدس لابنتها، فبالطبع تراجعت عن فكرة الزواج من الأساس، وقررت ألا أتزوج، حتى جاء لى بعض الأقارب وطلبوا منى مقابلة فتاة، فرفضت، فقالوا لى إنها من العائلة، فقلت أن ذلك أدعى ألا أقابلها فأنا غير متحمس لزواج الأقارب، لكنهم أصروا، وبالفعل ذلك، فكانت الدكتورة سوزان راغب زوجتى الأن، والحقيقة أننى من أول جلسة بيننا وجدت فيها ما أبحث عنه من العقل والمنطق والتفكير والنقاش الجيد، ورغم أنها طبيبة عيون إلا أنها حاليا تدرس الأثار وتستعد للحصول على الماجيستير والدكتوراة، لأنها تعلم أن هذا المجال من اهتماماتى الأولى، وأنا أحمد الله عليها وعلى اختيارى لها.
وماذا كانت أهم الأمور التى اتقفتوا عليها فى بداية حياتكما سويا؟
اتفقنا على الصدق والاحترام، فهما أهم شىء فى أى علاقة، إن وجدا عاشت العلاقة لأخر العمر، وإن غابا انتهت العلاقة، والمرأة تشعر بكلمة الحب الصادقة، ولا تصدق الكلمة الكاذبة مهما كانت حلوة، وهذه نظرية شهيرة عن الحب والصدق، فلو توافق منطوق الكلمة مع لغة الجسد والصوت والاحساس، كان الصدق، ولو اختلفوا ظهر الكذب.
وما الذى تشعر أنه يغيب عن الناس والمجتمع حاليا من القيم التى تحافظ على الأسرة.
الحب والصدق وإعمال العقل، فالكلمة الطيبة صدقة، والذكاء ليس فقط فى الأمور العملية، ولكنه فى المشاعر والحياة الاجتماعية أيضا، فمن لا يجيد ذكاء المشاعر والعواطف يتعب فى حياته، أتذكر مرة أن زوجتى قالت لى بحد "أنا مش بوشين"، قلت لها: "حتى لو بوشين فالاتنين أحلى من بعض"، وانتهى الزعل بيننا بكلمة ود بسيطة، هذا هو الذى يجب أن يسود بين الناس.
جانب من اللقاء
ماذا يمثل المال والثروة للدكتور وسيم السيسى؟
هو مجرد مقياس للنجاح، لكنه ليس هدف فى حد ذاته، فأنا لا يريحنى كل ما يزيد عن حاجتى وكفايتى، حتى أننى لا أحب مظاهر الثروة والغنا وكل هذه الأمور، وأتذكر مرة عندما كنت أتفاوض على أجر أحد مقالاتى قلت أننى لدي مشكلة أننى لا استطيع الاستمتاع بما أملكه، ولا أريد المزيد، فالمال وسيلة لإسعاد الأخرين ومساعدة الغير، حتى أننى حاليا لازلت أعمل كطبيب من أجل الناس فقط وليس لجمع مزيد من المال.
لكن هذه الأفكار والأخلاق فى أمور المال أصبحت صعبة على التطبيق فى أيامنا؟
لكنها بالنسبة لى واقع، فأنا أذكر حين توفى والد زوجتى وترك ثروة كبيرة، قلت لها: "إنتى عايزة حاجة من الفلوس دى" فقالت لى لا، فقلت لها: "إنتى ليكى إخوات بيدرسوا برة مصر، وزعى عليهم نصيبك"، وقد كان، لذلك هم يكنون لى كل الحب والتقدير إلى الأن، نحن نعيش فى حياة الحياة حق انتفاع لما نظن أننا نملكه، لكننا لا نملك شىء، فقد جئنا إلى الدنيا عرايا، وسنتركها عرايا.
وما هو أكثر من يخيف أو يقلق الدكتور وسيم، المرض والألم أم الموت؟
الحقيقة أن الألم هو أكثر ما يزعجنى، بحكم أننى طبيب ودورى هو علاج الألم، لكن الموت حقيقة وواقع وكلنا ذاهبون إليه، ولا يخفينى ذلك أو يقلقنى، وكل همى فقط هو تخفيف الألام وعلاج المتألمين.
جانب من الحوار
لكن هل تفكر فى الزمن والعمر، هل تعتبر أن الزمن عائق كما يراه البعض؟
لا على الإطلاق، أحد الفلاسفة تخيل أنه التقى الزمن، ووقف يتحدث إليه ويطلب منه التوقف، فقال له الزمن: "لو توقفت سيظل المريض مريضا، والمرأة الحامل حامل، والشجرة الصغيرة لن تكبر، صحيح أنت لن تكبر، لكن كل شىء أيضا سيظل على حاله، فأدرك أن مرور الزمن له حكمة، والتغيير سنة الحياة الأفضل، هذا ما يجب أن نؤمن به ونتقبله بنفس راضية.
ما هى رسالتك الأخيرة للشباب ولمن يريدون حياة أفضل لأنفسهم وسط كل ضغوط الحياة المادية حولنا؟
أولا المعرفة، فالمعرفة هى القوة، والاطلاع والقراءة، وتطوير النفس، والتفكير العقلى العلمى، وإعمال العقل فى كل شىء، وعدم الخوف من السؤال، وأن يتعامل بالحب والود والصدق مع نفسه ومع من حوله، هذه هى وصيتى لمن يريد أن يعيش حياة أفضل وأنجح.
تامر إسماعيل
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة