عاد الفريق عبدالمنعم رياض من عمان، ليتسلم مهام منصبه رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية، تنفيذا لقرار عبدالناصر، الذى جاء ضمن قراراته بالتغيير الكامل فى قيادات الجيش المصرى على أثر هزيمة 5 يونيو، وبدأت بتعيين الفريق أول محمد فوزى قائدا عاما للقوات المسلحة، يوم 11 يونيو 1970، وفقا لمذكرات فوزى «حرب الثلاث سنوات»، 1967-1970.
توجه «رياض» على الفور إلى منزل «عبدالناصر» بمنشية البكرى، فى 14 يونيو، مثل هذا اليوم، 1967، وفقا للكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، فى كتابه «الانفجار- 1967» مضيفا، أنه كان من الطبيعى أن يسأله عبدالناصر عن تجربته فى عمان، فرد رياض بأنه «يستجمع الآن أوراقه وأفكاره لكتابة تقرير عنها»، فعلق عبدالناصر بأن ما حدث عندنا هو الآخر لا بد له من تأمل ودراسة، وأنه فكر فى أن يعهد إلى اللواء حسن البدرى، المؤرخ الرسمى للجيش المصرى، بدراسة ما وقع كله، ثم يعد تقريرا بما حدث نناقشه جميعا، لنفهم ما جرى ونستفيد منه، ثم استطرد عبدالناصر، أنه طلب بوضع الأوراق والوثائق تحت تصرف البدرى، قائلا: لعله يستطيع أن يعطينى إجابة دقيقة على سؤال يعذبنى وهو: ما هى حقيقة ما جرى؟».
أضاف عبدالناصر، «أنه طلب أيضا أن توضع تحت تصرف البدرى كل المعلومات المتاحة فى الخارج عن المعركة، ففى هذه المرة تكلم الإسرائيليون كما لم يتكلموا فى حياتهم، فكل القادة السياسيين والعسكريين لم يصدقوا أنفسهم بالنصر الذى تحقق لهم، وراحوا يتحدثون بغير تحرز فى مؤتمرات وأحاديث صحفية، وأعتقد أنهم قالوا مبكرا كلاما كثيرا يحتوى على معلومات غزيرة لم يكن هذا أوان إذاعتها، والسبب أن الإسرائيليين يظنون أن هذه حربهم الأخيرة مع العرب، فالنصر الذى حققوه فيها كان أكثر مما حلموا به، وتصوروها آخر الحروب، وبالتالى لم يغلقوا أفواههم على سر»، واصل عبدالناصر كلامه، بأنه تابع بعض الأحاديث والمؤتمرات الصحفية، وطلب الحصول على نسخ صوتية ومصورة، إذا أمكن، من كل ما قاله القادة العسكريون أوالسياسيون الإسرائيليون، وهو يتوقع أن تصل إليه مواد كثيرة من هذا كله خلال أيام، وبعضها سوف يستمع إليه شخصيا معكم «يقصد القيادة الجديدة».
يذكر هيكل، أن رياض حاول التخفيف على عبدالناصر فقال: «أى حساب للحروب يجب أن تأخذ فى الاعتبار «احتمالات النصر والهزيمة»، علق عبدالناصر، بأنه فى حساباته كلها للموقف لم يتوقع نصرا عسكريا، لكنه كان يتصور أن من حق البلد أن تنتظر معركة دفاعية، يمكن أثناءها تحريك كل عوامل السياسة على المستوى العربى والدولى، لكن المفاجأة التى تلقاها فى اليوم الأول من نشوب القتال، كانت أكثر مما يستطيع احتماله أو فهمه».
علق رياض: أمريكا نفسها تلقت مفاجأة شديدة فى بيرا هاربور، عندما فقدت كل أساطيلها البحرية فى المحيط الهادى بضربة مفاجئة، قامت بها اليابان «الحرب العالمية الثانية»، وفرنسا فوجئت بالحرب الخاطفة، التى شنها هتلر، وسقطت باريس بعد أسبوع».. يؤكد هيكل، أن عبدالناصر وافق رياض مسلما بأن العنصر الحاسم فى المعارك هو إرادة الشعوب، ومع ذلك، فالجانب العسكرى فيما وقع ما زال يطرح عليه تساؤلات كثيرة، وهو يريد أولا أن يطمئن إلى أنه ليست هناك خيانة، وكان رياض شديد الوثوق فى تأكيده بأنه يستبعد فكرة الخيانة تماما، وقال له عبدالناصر: إنه يستبعدها أيضا، وإن كان ما حدث يصعب تفسيره.
بدأ عبدالناصر يشرح لرياض تصوراته لعمل المرحلة القادمة، بما فى ذلك الجانب السياسى، وطبقا لهيكل، فإن رياض قال فجأة لعبدالناصر ما نصه تقريبا: سيادة الرئيس، أريد أن آخذ منك وعدا الآن، أن لا تقبل بحل سياسى لهذه المشكلة قبل أن ندخل معركة حتى لوعرضوا عليك استعادة كل الأراضى المحتلة، فلا بد أن ترفض، حتى تتيح لنا الفرصة للقتال، ثم استطرد رياض قائلا: «ما فعلته سيادتك فى معركة السويس أضرنا، فحين استطعت تحقيق جلاء كل القوات المعتدية بدون الحاجة إلى قتال، سادت تصورات خاطئة لدينا جميعا بالاتكال على العمل السياسى، حتى عندما كنا نقاتل، كنا نقاتل تحت ظن أن العمل السياسى فى النهاية هو الذى سيحقق لنا ما نريد»، يذكر هيكل: كانت هذه أول مرة لاحت فيها ابتسامة، وإن كانت حزينة على شفتى جمال عبدالناصر منذ أن بدأت الأزمة، وقال لرياض: إنه إذا عرضت عليه الأرض كلها بدون قتال، فإنه يخشى أنه سيخيب أمله ويقبل بغير تردد، ثم استطرد: «إن سياسته دائما كانت ألا يعتمد على القوات المسلحة إلا كملجأ أخير وعند الضرورة القصوى»، ثم أضاف: «لكن فى المرة القادمة لك أن تطمئن، فإن أحدا لن يعرض علينا عودة أراضينا بدون قتال، وهذه حقيقة أريدك أن تكون متأكدا منها من أول لحظة، وهذه المرة لا يمكن تحقيق أى نتيجة سياسية دون عمل عسكرى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة