أمعن علماء فلك النظر فى كوكبة تعج بالنجوم فى سديم الرتيلاء- وهو سحابة ضخمة من الغاز والغبار بجوار مجرتنا ليخرجوا بفهم جديد لآليات ميلاد النجوم مع تمكنهم من رؤية صورة مبهرة للكون، وفقا لتقرير سكاى نيوز عربية.
وقال باحثون إن ملاحظاتهم قدمت نظرة ثاقبة عن التفاعل بين قوة الجاذبية التي لا تقاوم والتي تحرك تكوين النجوم وبين الكميات الهائلة من الطاقة التي تضخها النجوم اليافعة الضخمة في بيئاتها القريبة والتي يمكن أن تمنع ولادة النجوم.
وسديم الرتيلاء، الموجود فى مجرة تابعة لمجرة درب التبانة تسمى سحابة ماجلان الكبرى، عبارة عن شبكة من النجوم والغاز والغبار يبلغ قطرها نحو 600 سنة ضوئية، والسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في السنة وتساوى 9.5 تريليون كيلومتر.
ويقع سديم الرتيلاء على بعد 170 ألف سنة ضوئية تقريبا من الأرض، ويُطلق عليه رسميا اسم 30 دورادوس ، فى إشارة إلى رقم تعريفة للأشياء فى اتجاه كوكبة دورادو.
ويطلق عليه اسم سديم الرتيلاء لأن بعض بنيته تظهر كخيوط متوهجة من الغاز والغبار والنجوم تذكر بأرجل العنكبوت، ويشبه تكوين غاز السديم تركيب الكون في وقت مبكر من تاريخه، إذ كان يتألف فى معظمه من الهيدروجين والهيليوم فحسب.
الغاز والغبار والنجوم
وأصدر المرصد الأوروبى الجنوبى صورة لسديم الرتيلاء تظهر فيه سحب غازية ضعيفة قد تكون بقايا لأخرى أكبر حجما مزقتها الطاقة التى أطلقتها النجوم اليافعة الضخمة.
وقال عالم الفيزياء الفلكية جيدو دى مارشي من المركز الأوروبي لأبحاث وتكنولوجيا الفضاء التابع لوكالة الفضاء الأوروبية في هولندا، والمشارك في إعداد البحث الذي نشر في مجلة الفيزياء الفلكية وقُدم في اجتماع الجمعية الفلكية الأميركية "نرى نجوما تتشكل حيث يتوفر الكثير من الغاز والغبار، وهناك بالتأكيد الكثير منها في سديم الرتيلاء".
ولاقت النتائج دعما من خلال الملاحظات باستخدام تلسكوب ضخم مقره تشيلى.
وقال دى مارشى "تتكون النجوم عندما تنهار سحب الغاز تحت تأثير جاذبيتها ويصبح الغاز كثيفا أكثر فأكثر. وتتقلص هذه السحب وترتفع حرارتها إلى أن يصبح اللب ساخنا بدرجة كافية لتشغيل المحرك النجمي، وهو مفاعل نووي هائل".
وأضاف "لكننا اعتقدنا دائما أنه عندما تبدأ النجوم الضخمة- التي تزيد كتلتها عن الشمس مئة مرة- في التكون فإنها تطلق قدرا كبيرا من الطاقة بحيث يمنع سقوط المزيد من الغاز، مما يؤدي إلى إيقاف الوقود من أجل تشكيل المزيد من النجوم".
ومضى يقول "أما الملاحظات الجميلة عن سديم الرتيلاء الذي تم الحصول عليها باستخدام التليسكوب تظهر الآن أنه حيثما يكون الغاز كثيفا بدرجة كافية فإنه يستمر في السقوط بلا هوادة ويمكن أن تستمر النجوم الجديدة في التشكل. وهذا أمر مثير للاهتمام وجديد
ظاهرة التغذية المرتدة
وكان دى مارشى يشير إلى ظاهرة تسمى التغذية المرتدة، حيث تصدر النجوم اليافعة الضخمة كميات كبيرة من الطاقة في بيئاتها المحلية على شكل فوتونات وجسيمات عالية السرعة، وعزز التركيب البدائى للسديم تكوين النجوم الكبيرة بشكل خاص، والتى تبلغ كتلتها نحو 200 مرة من كتلة شمسنا.
وقال عالم الفيزياء الفلكية بجامعة إيلينوي والمعد الرئيسي للدراسة توني وونج "سديم الرتيلاء هو أكثر البيئات تطرفا من التغذية المرتدة يمكننا ملاحظتها بالتفصيل لأنها تستضيف أقرب مثال على مجموعة نجمية يافعة ضخمة".
وأضاف "أحد الألغاز الكبيرة في علم الفلك هو لماذا ما زلنا قادرين على رؤية النجوم تتشكل حتى اليوم. لماذا لم ينهار كل الغاز المتاح في انفجار ضخم من تشكل النجوم منذ فترة طويلة؟ الملاحظات المستقاة من التلسكوب يمكن أن تلقي الضوء على ما يحدث في أعماق الغيوم ويساعدنا على فهم كيفية تنافس الجاذبية والتغذية المرتدة على التأثير لإبقاء معدل تشكل النجوم تحت السيطرة".
وقال دى مارشى "أنا شخصيا أحب سديم الرتيلاء من الناحيتين العلمية والجمالية". وأضاف "إنه مشهد بديع في السماء. كثيرا ما تساءلت كيف سيكون شكل الليل إذا كنا على كوكب يدور حول أحد نجومه، مع سحب زاهية ملونة وخيوط من الغاز تتقاطع فى السماء"