بعد نحو 18 عاما من اكتشافه للفنانة سعاد حسنى، طرح الشاعر، الفنان، الكاتب، عبدالرحمن الخميسى، سؤالا فى شهر يناير من عام 1977: هل كان من الأفضل لسعاد حسنى ذاتها من الناحية الشخصية، لو ظلت فى دائرة الظل تعيش، أم كان الأحسن لها أن تخرج من الظل كما حدث، وأن تحيا كما هى اليوم تحت الأضواء نجمة ساطعة؟ هل أسأت إليها حين فتحت أمامها باب النجوم أم أنى أحسنت؟ حسبما ينقل عنه الكاتب الصحفى يوسف الشريف فى كتابه «القديس الصعلوك.. عبدالرحمن الخميسى».
فى عام 2001 وبعد رحيلها على أثر سقوطها من الدور الخامس بعمارة فى العاصمة البريطانية لندن، يوم 21 يونيو، مثل هذا اليوم، عام 2001، قال الكاتب الصحفى محمود عوض فى كتابه «من وجع القلب»: «فى الكيمياء الغريبة بين الفنان والكاميرا، اعتادت الكاميرا- الصماء أصلا - على الانحياز إلى وجوه دون أخرى، وفى تاريخ السينما المصرية، تحالفت كاميرا التصوير مع وجه سعاد حسنى منذ بدايتها الأولى فى فيلمها الأول سنة 1959«حسن ونعيمة»، هذا التحالف استمر يخدم سعاد ثلاثين سنة متواصلة، بعدها ترددت الكاميرا بعض الشىء، فتحولت رحلة سعاد الفنية من السعادة إلى الشقاء، ومن النظر إلى الكاميرا كحليف مؤكد إلى التشكك فيها كخصم محتمل».
فى عام 2014 يحرضنا الكاتب الصحفى منير عامر فى مقاله «هى سعاد حسنى وإن طال الزمن»، المنشور فى «الأهرام، 13 يونيو، 2014» على الاستماع إلى تسجيلات أدتها لإذاعة الـ«بى. بى. سى» أثناء علاجها الأخير فى لندن حتى «نرى فى نهر هذا الصوت الذى كان فياضا بالفرح، ذلك الإحساس القاتل بأنها زائدة عن حاجة هذا العالم، لذلك دهمها الإحساس بأنها لا لزوم لها».
من أسئلة «الخميسى»، التى تكشف حيرته نحو سندريلا الشاشة العربية، إلى تذكيرنا من «عوض» و«عامر» بشقاء النهايات لها، نتأكد أن «الزمن كان بخيلا وسخيا، حليفا وعدوا، دافعا لها وسيفا عليها»، حسب وصف «عوض»، وبدت فى مجمل حياتها أنها كالطير المعلق بين السماء والأرض، لا يبقى فى عش آمن سوى أيام قليلة، وهكذا عاشت منذ أن أطلت إلى الدنيا يوم 26 يناير 1942 وحتى رحيلها، وما بين الميلاد والموت، رسمت الأقدار قصتها المثيرة، وفيها ذكريات هذا اليوم الذى رآها عبدالرحمن الخميسى لأول مرة أثناء زيارته لزوج أمها «عبدالمنعم حافظ» بمنزله فى شبرا، وكان «حافظ» يعمل بالتدريس، وكانت سعاد تعيش معه بعد طلاق أمها من أبيها «محمد حسنى».. يذكر الخميسى: «كانت حين دخلت إلى البيت واقفة لصق حوض مياه فى الممر، تغسل بعض ملابسها، وتدعكها دعكا بيديها، وخصلات شعرها تغطى جبينها، وأجزاء من وجهها، ولم أكن أدرى لحظتها، أن جدائل شعرها المنسكبة تختزن وراءها تلك اللؤلؤة نادرة المثال».
كان هذا اليوم هو نقطة التحول فى حياتها، وفيه عرف الخميسى- طبقا لروايته عن قصة اكتشافه لها- أنها لا تعرف القراءة والكتابة، ولما سأل زوج أمها: كيف هذا؟ رد زوج الأم: لم يكن هذا ذنبى، يضيف الخميسى: «أخبرتنى والدتها السيدة جوهرة أن والدها محمد حسنى كان يؤمن بأن تعليم الأولاد يفسد مواهبهم الفنية»، وهذا القول من الأم كان موصولا بتصرفات قاسية يفعلها الأب وهى «صلافته فى معاملة المطربة نجاة الصغيرة ابنته من زوجة أخرى، فهو لم يكن يراعى ذمة ولا ضميرا وهو يقتر عليهما الطعام، بل كان يسقيها الخل كذلك عنوة حتى يمنع نموها، وتظل دوما نحيفة، وبذلك تظل أمام جمهورها المعجب بصوتها الغض الرقيق المطربة الصغيرة والطفلة المعجزة، التى تقلد أم كلثوم فى غنائها ووقفتها وحركاتها وسكناتها، إذ كان يعتقد أنها لو بدت كبيرة السن وممتلئة، فربما فقد الذهب الذى تبيضه الدجاجة بعد كل حفلة تغنيها نجاة».
وضع «الخميسى» خطة لتعليمها القراءة والكتابة، ثم ألحقها ببرنامج تثقيفى، ثم أسند إليها بطولة فيلم «حسن ونعيمة» وكان هو مؤلفه، ومن وقتها، وحسب «الخميسى»: «أخذت تقطع طريق المجد فى ثقة وتؤدة، وأصبح حضورها فى السينما له مذاقه المتفرد»، يصف الناقد السينمائى كمال رمزى هذا الحضور فى مقاله «شمس سعاد حسنى ستشرق من جديد»، جريدة العربى، 8 إبريل 2001، قائلا: «شىء ما يتلألأ فى روح سعاد حسنى، ويظهر جليا على الشاشة، ويبدو كسر من الأسرار التى يصعب إدراكها أوتفسيرها، أنه ذلك النبل الخاص الذى يلتمع للحظة فى العينين، مهما كان إذلال الموقف الذى تعايشه».