قبل سنوات من توحش السوشيال ميديا فى حياتنا، كانت لنا قلوب تنتفض إن رأت جريمة فى الشارع، كان التصرف الطبيعى «الآدمى» هو محاولة ردع الجانى، وإنقاذ المجنى عليه، أما اليوم أصبحنا نجتمع «للفرجة» وكأنه مشهد سينمائى مرشح للفوز بجائزة «أوسكار أقوى تريند»، نترك الجانى يرتكب جريمة بشعة فى وضح النهار وأمام أعين الناس، وبدلا من محاولة ردعه نخرج الهواتف ونتسابق على سرعة التصوير والرفع على السوشيال ميديا، فى محاولة للحصول على سبق صناعة التريند.
فى كل مرة تحدث جريمة كهذه، أسأل نفسى عشرات المرات، كيف لشخص يرى بريئا يذبح أمام عينيه، فيهديه عقله لإخراج الهاتف والتصوير، بدلا من محاولة إنقاذ الضحية، كيف يجتمع الناس للمشاهدة والتصوير ثم يقررون النشر؟! كيف لعدد المشاهدات والتريند أن تكون الأهم من روح بنى آدم تزهق؟! كيف نصور «عادى» وكأنه مشهد عادى؟! وكيف تكون جريمة «ذبح» مادة نشاهدها مليارات المرات؟! كيف للقائمين على السوشيال ميديا السماح بنشر مثل هذه المقاطع المؤذية والمنافية للإنسانية والرحمة والفطرة السليمة؟! وكيف لكل عين رأت ولكل يد امتدت «لعمل شير»؟!
هذه الحالة التى نتعاطاها يوميا هى أبشع ألف مرة من الجريمة ذاتها، فإن كانت جريمة الذبح مسؤولية فرد أجرم فى حق نفسه وفى حق المجنى عليه، فجريمة كل من اجتمع ليشاهد ويصور ويرفع، وجريمة من كل شاهد الفيديو وشير أكبر بكثير، إذا كانت جريمة الجانى ضد فرد واحد، فجريمة هؤلاء ضد الإنسانية والمجتمع كله، ضد الدين والأخلاق والقيم والفطرة السليمة.
كل ما أتمناه اليوم من الدولة المصرية - بكل مؤسساتها المعنية - أن تفكر وبجدية فى عمل قانون صارم يجرم تصوير الجرائم والحوادث ورفعها على السوشيال ميديا، وأن تكون هناك عقوبات صارمة لكل من يتحرك لصناعة تريند بدلا من التحرك لإنقاذ روح، أرجوكم أنقذوا ما تبقى لنا من آدمية وإنسانية قبل أن يأكلها وحش السوشيال ميديا.