الشائعات ظاهرة اجتماعية بالغة الخطورة، وجدت فى كل زمان ومكان، وتعتبر من أخطر الحروب المعنوية والنفسية، التى تمثل خطورة بالغة على المجتمعات البشرية، بسبب سرعة نقلها وسهولة انتشارها وتأثيرها على الناس خصوصا البسطاء منهم.
لهذا لقد وضع لنا الإسلام وسائل لمحاربة هذه الشائعات حفاظًا على المجتمع وأفراده وعلى كل مسلم، فمنها التحذير من معصية الكذب وبيان ما قد تجر إليه من المفاسد والمهالك، فمن منا لم يسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وإيّاك والكذب فإن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار" رواه مسلم.
والمتأمل فى الكتاب والسنة، وفى التاريخ بشكل عام، يعلم يقينا ما للشائعات من خطر عظيم، وأثر بليغ، وتسببت فى جرائم، وفككت من صداقات، وكم هزمت من جيوش، وقد وقع للمسلمين في العهد الأول شائعات كان لها آثار سيئة، منها الشائعة التى انتشرت أن كفار قريش أسلموا، وشائعة قتل النبى صلى الله عليه وسلم فى معركة أحد.
فى غزوة أحد غاب الرسول صلى الله عليه وسلم عن أعين الصحابة، وشاع أنه قتل، وفر جمع من المسلمين من الميدان، وجلس بعضهم دون قتال، وتصدى آخرون للمشركين وحضر المؤمنون على القتال حتى نالوا الشهادة، فتأمل ما تحدثه الشائعات فى الصف.
وقال أنس بن النضر رضي الله عنه، مر على بعض المسلمين وهم جلوس على أرض القتال، قد فقدوا روح القتال والمقاومة، فقال لهم: ماذا تنتظرون؟ قالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال في منتهى الشجاعة والقوة: قوموا فموتوا على ما مات عليه صلى الله عليه وسلم، إن كان محمد قد قتل فإن الله حي لا يموت.
ثم قال وهو ينظر إلى المسلمين الذين أحبطوا وقعدوا على أرض القتال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني المسلمين-، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -يعني: المشركين-، ثم تقدم رضي الله عنه وأرضاه ليلقى المشركين، فلقيه سعد بن معاذ فقال له سعد: أين يا أبا عمر! رآه يدخل في وسط المشركين، فقال أنس: واهاً لريح الجنة يا سعد! إني أجده دون أحد -أي: أشم رائحة الجنة عند أحد- ثم مضى رضي الله عنه وأرضاه وقاتل المشركين قتالاً شديداً ضارياً حتى استشهد رضي الله عنه وأرضاه، وطعن أكثر من ثمانين طعنة في جسمه، ولم يعرفه أحد إلا أخته ببنانه.
واستمرت شائعة موت الرسول عليه الصلاة والسلام في الجيش إلى أن اكتشف كعب بن مالك رضي الله عنه وأرضاه ممن شارك في غزوة أحد أن الرسول صلى الله عليه وسلم حي لم يقتل، فنادى في المسلمين: أبشروا أبشروا! رسول الله صلى الله عليه وسلم حي، فأشار له صلى الله عليه وسلم أن يصمت؛ لئلا يلفت أنظار المشركين، ومع ذلك سمع ثلاثون شخصاً من المسلمين كلمة كعب بن مالك؛ ففاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبدأوا يحوطونه، وبدأ الرسول عليه الصلاة والسلام يقود هذه المجموعة للانسحاب المنظم فى اتجاه الجبل.
استنادا إلى الطبرى فإنه عند الهجوم على الرسول تفرق عنه أصحابه وأصبح وحده ينادى "إلى يا فلان، إلى يا فلان، أنا رسول الله" واستطاع عتبة بن أبي وقاص الزهري القرشي أن يصل إلى الرسول ويكسر خوذة الرسول فوق رأسه الشريف وتمكن عبد الله بن شهاب الزهري القرشي من أن يحدث قطعا في جبهة الرسول وتمكن عبد الله بن قمئة الليثي الكناني من كسر أنفه وفي هذه الأثناء لاحظ أبو دجانة حال الرسول فانطلق إليه وارتمى فوقه ليحميه فكانت النبل تقع في ظهره وبدأ مقاتلون آخرون يهبون لنجدة الرسول منهم مصعب بن عمير وزياد بن السكن وخمسة من الأنصار فدافعوا عن الرسول لكنهم قتلوا جميعا.