انتهى أبطال قوات الدفاع الجوى المصرى من عمل «غابة الصواريخ» غرب القناة يوم 29 يونيو، مثل هذا اليوم، 1970، وفى اليوم التالى 30 يونيو 1970، فوجئت الطائرات الإسرائيلية المغيرة على الأراضى المصرية بالموقف، وتكبدت خسائر فادحة لم تكن فى حسبانها، حسبما يذكر المشير محمد على فهمى، الذى اختاره الرئيس جمال عبدالناصر لتأسيس سلاح الدفاع الجوى، فى حواره النادر المنشور بالأهرام، 28 يونيو 1976، وقت أن كان رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة منذ 3 يناير 1975، وتحدث فيه عن أسرار بناء حائط الصواريخ، والقفزة الأخيرة لاستكماله، التى تمت ببطولة نادرة ومعهودة من الجنود المصريين قبل ساعات من بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار، تنفيذا لمبادرة «روجرز» فى 8 أغسطس 1970، ونشرنا جزءا منه أمس، «راجع، ذات يوم، 28 يونيو 2022»، ونستكمل باقى القصة.
يضع «فهمى» قصة بناء غابة الصواريخ فى سياق سياسى وعسكرى، قائلا: «كان الهدف الرئيسى للاستراتيجية الإسرائيلية، خلال حرب الاستنزاف، هو تجسيد الأمر الواقع التى انتهت إليه حرب 1967، وإخماد روح الصمود والقتال لدى الجيش المصرى ليصل إلى حالة اليأس، ويتخلى نهائيا عن أى تفكير فى استخدام القوة المسلحة لاسترداد أرضنا المغتصبة، ولذلك كان إصرار القيادة الإسرائيلية على وضع قواتنا المسلحة فى جبهة قناة السويس تحت الميكروسكوب بصفة مستمرة، وهذا يعنى أن تكون لإسرائيل سيطرة جوية كاملة على منطقة الجبهة، ليتمكن الطيران الإسرائيلى من العمل بحرية فوق القوات المصرية، والاستطلاع والتصوير فى أى وقت، ليكون على علم بكل شىء أولا ليتدخل فى الوقت المناسب».
يؤكد «فهى»: «قررنا حرمان العدو من هذا الحق المغتصب»، ويحدد طبيعة قرار حرمان العدو، قائلا: «وجدنا أن هذا لا يمكن تحقيقه إلا إذا أقمنا شبكة قوية للصواريخ المضادة للطائرات فى منطقة الجبهة، توفر لقواتنا البرية الغطاء اللازم أثناء تدريبها وإعدادها للعمليات الهجومية من موقعها غربى القناة»، يضيف: «شرعنا فى بناء التحصينات والمواقع، وفهم العدو وأحس بالخطر، وبدأ صراع رهيب بين إرادتين، العدو يركز كل مجهودات قواته الجوية لمنعنا من إنشاء التحصينات والمواقع، ونحن فى مقابل ذلك، حشدنا أعددا كبيرة من المدفعية المضادة للطائرات، ولكن رغم التضحيات الخارقة، التى بذلها رجال المدفعية المضادة للطائرات، كان العدو ينجح فى معظم الأحيان فى هدم ما أمكن تشييده، ولم نيأس وأثبتنا التحدى».
يكشف «فهمى» وجهات النظر، التى سادت بين قواتنا وقتئذ، قائلا: «تبلور الفكر إلى وجهتى نظر، الأولى، ترى القفز بغابة الصواريخ دفعة واحدة للأمام، واحتلال مواقع ميدانية متقدمة فى الجبهة دون انتظار الانتهاء من التحصينات، ووجهة النظر الثانية، ترى الوصول بغابة الصواريخ إلى منطقة الجبهة على وثبات أو ما أطلقنا عليه حينئذ «الزحف البطىء»، وذلك بأن يتم إنشاء تحصينات كل نطاق، واحتلاله تحت حماية النطاق القتالى له وهكذا، وبعد دراسة مستفيضة وحسابات دقيقة، استقر رأينا على الأخذ بوجهة النظر الثانية «الزحف البطىء»، وفعلا تم إنشاء مواقع النطاق الأول شرقى القاهرة مباشرة، وتم احتلالها دون أى رد فعل من العدو، واستغلالا لهذا النجاح، قررنا إنشاء ثلاثة نطاقات جديدة تمتد إلى منتصف المسافة بين القاهرة وقناة السويس».
يضيف «فهمى»: «وضعت لذلك خطة دقيقة وطموحة، فعلى مدى ليلتين فقط، كان علينا أن نقوم بالعديد من الأعمال، وتشمل على سبيل المثال، إنشاء تحصينات ميدانية لـ34 قاعدة صواريخ، وتجهيز مركز القيادة والمواقع بوسائل الاتصال اللازمة، وتجهيز الطرق والمدقات، وتحريك قواعد الصواريخ واحتلالها لمواقعها ومعها وسائل الدفاع المباشر عنها، ووسائل الإنذار اللازمة، ودفع مجموعات من مهندسى الإلكترونيات لضبط واختيار وتجهيز هذا العدد الضخم من قواعد الصواريخ، وكان من الضرورى أن تتم معظم هذه الأعمال ليلا فقط لتأمين مفاجأة العدو، وفعلا تمت جميع الأعمال بنجاح تام، وتم التنفيذ فى تناسق كامل وبدقة متناهية فى التوقيت المحدد كسيمفونية للانشاز فيها».
يذكر «فهمى» النتائج التى ترتبت على ذلك، قائلا: «فى صباح اليوم التالى، وكان ذلك يوم 30 يونيو 1970، فوجئت الطائرات الإسرائيلية المغيرة بالصواريخ المصرية، وتكبدت خسائر فادحة لم تكن فى حساباتها، وتكررت المحاولات بمزيد من الطائرات، وأسلحة الإعاقة الإلكترونية، وجربت إسرائيل جميع الأساليب والتكتيكات، التى حصلت عليها من خبرة أمريكا فى فيتنام، ولكن كانت النتيجة مزيدا من الخسائر ومزيدا من الطيارين الأسرى، واستمرت غابة الصواريخ فى الزحف صوب قناة السويس، وبدأت إسرائيل تتباكى، ووقف «أبا إيبان» وزير خارجيتها يصرخ فى الكنيست، قائلا: «بدأ الطيران الإسرائيلى يتآكل».. يضيف: «بعد ذلك قبلت إسرائيل مبادرة روجرز، وقبلتها مصر فى 8 أغسطس 1970، لنبدأ على الفور الإعداد لمعركة العبور والتحرير».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة