شارك الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الدكتور نظير عياد عبر تقنية الفيديوكونفرانس كمتحدث رئيس في فعاليات المؤتمر العلمي الذي عقدته الجامعة القاسمية وجامعة الوصل تحت عنوان: "الواقع المعاصر وأثره في العلوم الشرعية" في الفترة من 8-9 يونيه.
وقال الأمين العام خلال كلمته التي ألقاها في الجلسة الافتتاحية حول "الأسس المعرفية للاستدلالات الشرعية وعلاقاتها التفاعلية (تأثيرًا وتأثرًا) بالواقع المعاصر"، إن هذا المؤتمر المبارك خطوة مهمة في سبيل البحث عن علاقة الواقع المعاصر وأثره على علوم الدين والشريعة، مضيفًا أنه لكي يتحقق هذا الهدف المنشود لابد من معرفة سمات الواقع ومستجداته أولا، ومعرفة طبيعة بنية مصادر الاستدلال في الإسلام ثانيا، ثم معرفة المناسبة بين الأحكام وتكييفها مع الواقع ثالثا؛ والانطلاق من ذلك كله إلى التجديد المعرفي الواعي.
أضاف عيّاد أن المنظومة المعرفية في الإسلام تتميز بالمرونة إلى حد كبير؛ حيث اشتملت هذه المنظومة في بنيتها على العديد من الفوارق المعرفية التي تسمح بتعدد الاجتهادات فيها؛ فهي منظومةٌ تفرق بين الديني والدنيوي أولا؛ ثم تفرق بين الديني الذي ورد فيه النص والديني الذي لم يرد فيه نصٌ ثانيا، ثم تفرق في الديني الذي ورد فيه النص؛ بين ما إذا كان هذا النص متواترا قطعي الثبوت، أو آحادا ظني الثبوت ثالثا، ثم تفرق رابعا في الديني الذي ورد فيه نص قطعي أو ظني بين ما إذا كانت دلالة هذا النص قطعية تدل على معنى واحد، أو ظنية تدل على أكثر من معنى، موضحًا أن التنوع الهائل الذي يشهده واقعنا الراهن، قابله مرونةٌ كبيرةٌ في بنية الأدلة والحجج في الإسلام؛ لكن للأسف كثيرا ما يتم تجاهل هذه المرونة لحساب الخطابات الأحادية الجامدة التي تعيش في ماض تجاوزه الواقع وتخطاه.
أشار الأمين العام إلى أن واقعنا المعاصر شهد تطورات هائلة في العلم والصناعة والتكنولوجيا، وقطعًا كان لهذه التطورات انعكاساتها الكبيرة على منظومتنا المعرفية الدينية. فالتطورات الهائلة في وسائل الرصد والتصوير والمراقبة، وكذلك التطور الهائل في علوم الطب والوراثة، وكذلك التطورات الهائلة في علوم الطبيعة والفلك، كل ذلك تسبب في الآونة الأخيرة بطرح العديد من التساؤلات، أيمكن أن تكون الوسائل الحديثة للتصوير والمراقبة حجة مثل الشهادة؟! أيمكن أن تكون البصمة الوراثية حجة في إثبات النسب ونفيه كـ (اللعان)؟! أيمكن أن تكون الحسابات الفلكية لحركة القمر والأفلاك بديلا عن رؤية الأهلة؟! أيمكن أن تكون التقنيات الحديثة في جمع المعلومات والإحصاء والتحليل، معينا أمينا على إدراك الواقع، وتقدير المصالح والمفاسد للوصول إلى الحكم الشرعي السليم، بدلا من التقديرات الشخصية والذاتية؟.
أكد عيّاد أنه على المؤسسات الدينية أن تتعامل مع هذه التطورات بقدر عال من التقبّل والمرونة، لا أن تقف منها موقف الرفض والعدوان، وأن غياب المنهجية في الاستدلال، أو اعتماد منهجيات متناقضة، كل ذلك يؤدي حتمًا إلى خلق تصورات مشوهة وفاسدة عن الواقع، وإذا كان التصور فاسدًا، كان الحكم فاسدًا بالضرورة، فلابد من ضبط تصوراتنا للواقع، حتى تصح أحكامنا عليه، ومعالجتنا له.
وختم الأمين العام كلمته بمجموعة من التوصيات والمقترحات التي يمكن أن تسهم في ذلك منها: ضرورة توظيف (تكنولوجيا الحوسبة الجديدة) وطرق (الإحصاء والتحليل) الحديثة، في جمع وتصنيف المعلومات عن الواقع، التأكيد على أن هدفنا من معالجة الواقع الصعود بواقع الناس؛ ليتناسب مع القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية العليا دون النزول بقيم الدين السامية وثوابته القاطعة، لتتناسب مع واقع الناس الذي قد (يصح أو يفسد)، ضرورة التعرف على (المناهج المعرفية الجديدة) في طرق الفهم والاستنباط، وبحث مدى صلاحيتها، وإمكان توظيفها في بناء نظرية معرفية إسلامية حديثة، ضرورة الوقوف على (الأبعاد الدينية والمعرفية والفلسفية) للنتائج والنظريات العلمية الحديثة في البيولوجيا والطبيعة والفلك مع التحلي نحو هذه التطورات بقدر عال من التقبل والمرونة، لا أن نقف منها موقف الرفض والعدوان، وإذا اتفقنا على أن للواقع حتما انعكاسٌ على (الفكر والثقافة والأدب)، فيجب علينا في دراستنا لتراثنا أن ننظر بعين الاعتبار إلى مؤثرات هذا الواقع القديم (البيئية والسياسية والاقتصادية) وأثرها في بناء الاجتهاد الفقهي القديم. إذا عرفنا ذلك، سهل علينا تقبل أن الاجتهاد الذي ناسب الواقع القديم، ليس بالضرورة أن يناسب الواقع الحديث، بل هو نورٌ يستضاء به في الإبداع والتجديد.