صدر حديثًا عن دار الرواق كتاب "سلام أسود" للكاتبة آية شعيب، التى ألحقت بالعنوان عبارة بخط أصغر "مذكرات التعافى وما بعد الاكتئاب"، وجاء الكتاب فى 186 صفحة تنتهى بموضوع تحت عنوان "البداية" وكأنها تنهى حالة الاكتئاب بين صفحات الكتاب بكل تفاصيل المرحلة التى تلته حتى تصل لبداية حياة جديدة.
يبدأ الكتاب بلمحات إنسانية قوية منذ صفحات الإهداء التى تمنحها الكاتبة بمنتهى التصالح للاكتئاب ثم لابنها الذى يعد بطلها الحقيقى فى الحياة، تسحبك الكلمات والتعبيرات الصادقة وكلك فضول لهذه التجربة النفسية المفعمة بالمعانى الإنسانية، وتجد آية توضح فى مقدمتها أن هذا الكتاب هو تجربة شخصية خاصة لا يقرب للتنمية البشرية بشىء، حتى أنك تلاحظ مع قراءته أنه لا يحتوى على مصدر واحد أو كلام منسوب لخبراء نفسيين أو أى من هذا القبيل.
ولكن مع رحلتك مع الكتاب خاصة بعد الفصل الأول، يأتى السؤال الذى قد يراودك حقا كقارئ وهو لماذا يقدم كتاب مبنى على تجربة شخصية كل هذه التحليلات النفسية والاسئلة والأجوبة حول الصفات الشخصية للآخرين، وهذه الصيغة من النصح المستمر بما يتوجب عليك فعله وما لا يتوجب عليك؟ حيث تقابلك عبارات من نوعية إذا كنت كذلك فيجب عليك أن تفعل هذا!
تتساءل الكاتبة فى أحد موضوعتها تحت عنوان "الاستغلال"، هل الشخص الاستغلالى بالضرورة شخص سيء؟ ثم تجيب "الحقيقة إنه لا، وفى أحيان كثيرة إحنا اللى بنديله الفرصة يستغلنا بدافع القرابة أو الصداقة، الحب أو تبادل المصالح"، ربما عندما تقرأ هذه الجزئية على سبيل المثال تجد نفسك فى انتظار السبب وراء هذا التفسير الذى تقدمه الكاتبة، تنتظر أن تستشهد بقصة من تجربتها الشخصية على سبيل المثال بما أن هذا الكتاب ما هو إلا حديث نابع من تجارب، أين هذه التجارب.. ببساطة لا توجد، تخلو الفصول من بعد الفصل الأول من مثال واحد استشهادى على هذه التحليلات وإن كان للتوضيح، فلا تجد غير توصيفات وتصنيفات فقط.
ربما الفصل الأول فقط كان حقا عن تجربة الاكتئاب والإقبال على الانتحار، تحدثت فيه بصدق ومشاعر من قلب الحدث قد تلمس قلوبنا بشدة عن حالة فقدان الشغف والإيمان والحب والقوة والثقة أى ببساطة فقدان الشعور بالحياة، وعبرت عن كيفية تبدل الحال من حلم لكابوس للمرحلة التى لا نريد أن نشعر فيها وصولا لمحاولة الانتحار برغبة حقيقية، بعدها بدأت الحياة بنظرة مختلفة تماما.
هذه النظرة جعلتها ترى فى الغباء موهبة وهبة ومنحة، وتمدح الغرور وتراه مكسبًا حتى أنها تطلب بين السطور التحلى به على أنه من المميزات التى لا يجب التخلى عنها قائلة "اتغر يا ابنى! اتغروا يا جماعة وانعزلوا وارتقوا كده، وابعدوا عن بعض وعن الزحمة، شوفوا نفسكوا دايما الأفضل والأحسن والأصح على طول الخط، أو على الأقل صدروا الصورة دى عن نفسكم"، وتستمر بنعت اللطافة والتواضع بأنها تريند، إنما الغرور فإنه العملة النادرة.
تتابع بطريقة النصح والإرشاد التى يتبناها الكتاب قائلة "طيب إنت اكتشفت حالا إنك شخص استغلالى وعايز تتغير، نصيحة متتغيرش بشكل جذرى، متتغيرش أصلا إذا حالك ماشى"، ولا تتوقف الكاتبة عن ابهارك بأفكارها ونصائحها المختلفة فتجدها تبدأ أحد موضوعات فصولها بجملة "هيا بنا نحقد جدا على الناس إل عندهم هبة الوصولية، ومهارة الوصول، وفن التسلق"، ولا عجب أن تجد فى هذا الكتاب كل ذلك الدعم والتصفيق لصفة "الوصولية" بدلا من كونها شكل من الإنانية حتى إنها تمدح الإنانية نفسها فى موضوع آخر، وتنتقد المطبلاتى لأنه يفعل ذلك إيمانا منه بشخص ما أو حبا له، إنما الوصولى لديه هدف شخصى لذلك هو الأفضل من المطبلاتى "الرخيص" كما وصفته.
هذه الأفكار لا تضر حقا أو قد لا تؤثر من الأساس إذا كانت مجرد آراء شخصية لكاتبة وصانعة محتوى ولو أن تأثير الكلمة قوى وإن تم وضعه تحت أى قالب، ولكن الشىء الملفت هو عرض هذه الآراء بطريقة سرد الحقائق وتوجيه القارىء طوال الوقت.
وعندما تقترب من الصفحات الأخيرة تجد الكاتبة تصف أى شخص ينتظر حلول منها على أنه بائس حقا، ولكنها مع ذلك تشير إلى أن الكتاب يمكن أن يساعد روح ضلت الطريق من خلال هذه التوجيهات التى ترى فيها الأشياء بشكل أوضح من منظورها الشخصى.