كانت «البحيرة» أول مديرية تجتازها قوات الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت فى طريقها من الإسكندرية إلى القاهرة، وخلال ذلك نال كثير من القرى التى مرت بها هذه القوات أذى كبير من اعتداء الجنود ونهبهم للقرى والمنازل، حسبما يؤكد عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الأول من موسوعته «تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم فى مصر».
يذكر «الرافعى»، أن كُتاب الحملة الفرنسية ومؤرخوها أرجعوا أعمال النهب والاعتداء على القرى الآمنة إلى أنها كانت بسبب أن هؤلاء الجنود والضباط أنهكهم تعب السير من الإسكندرية إلى القاهرة، وأجهدهم الإعياء والقيظ فشعروا بخيبة الأمل فى مغامرتهم فى بلاد نائية، كانوا يظنون أنها من أغنى بلاد العالم فوقعوا منها فى صحراء قاحلة، فتبرمت نفوسهم بهذه الحملة الشاقة وضعف فيهم إحساس النظام العسكرى والشعور بالواجب، وتراخى الضباط فى كبح جماح جنودهم، فكانوا يرونهم يرتكبون النهب والسلب ولا تحدثهم أنفسهم بمنعهم وردهم إلى حدود الواجب والنظام.
فى يوم 13 يوليو 1798، استطاعت القوات الفرنسية هزيمة قوات «مراد بك» فى «شبراخيت»، وتابع الفرنسيون زحفهم فى اتجاه القاهرة، فمروا على قرى «شابور» و«كوم شريك» و«علقام» و«الطرانة» و«أبى نشابه» و«وردان»، و«أم دينار».. يذكر «الرافعى»: «كان الأهالى والعرب يتعقبون فرق الجيش الزاحفة فيقتلون كل من يدركونه ممن يتخلفون عن قوة الجيش إعياء أو تعبا أو ممن ينتقلون بين مختلف القرى لتبليغ الرسائل إلى قواد الفرق، حتى اضطر نابليون أن يشدد الأوامر على الجنود والرجال الملكيين التابعين للحملة بعدم الابتعاد عن فرقهم، ولقى الجيش عناء كبيرا فى اجتياز هذه المرحلة، لأنه لم يكن يلقى فى طريقه إلا بلادا مقفرة أخلاها أهلها قبل قدوم الجيش، وهاجروا منها بعيالهم ومواشيهم، ونهب الفرنسيون عدة قرى فى طريقهم إلى القاهرة».
كانت حالات النهب والاعتداء على الأهالى فى القرى بالغة القسوة.. يذكر كتاب «بونابرت فى مصر» تأليف «ج.كرستوفر هيرولد»، ترجمة «فؤاد أندراوس»، مراجعة، الدكتور محمد أحمد أنيس، نقلا عن مذكرات ضباط وجنود فرنسيين شاركوا فى هذه الأحداث: «يقول الجاويش فرانسوا أن قرية رفضت إمداد الفرنسيين بالبضائع التى طلبوها، فضرب أهلها بحد السيف وأُحرقت بالنار، وذبح وأحرق 900 رجل وامرأة وطفل، ليكونوا عبرة لشعب همجى نصف متوحش، ويصف الكولونيل «لوجيه» مشهدا منها فى يومياته فيقول: «فى 14 يوليو، مثل هذا اليوم، 1798 وصلنا إلى قرية «النجيلة»، وكانت فرقتا «بون» و«فيال» تعملان فيها النهب والسلب، وأحدثت صيحات الرجال ولولولة النساء ضجيجا رهيبا، وتسلقت النساء أسطح منازلهن، وكلما رأين فرنسيا على صهوة جواده نادينه وأظهرن له فجيعتهن بالتلويح خلفا وأماما بطرح يمسكنها بكلتا اليدين ثم يختمن شكواهن بالتعديد الباكى».
وينقل «الرافعى»: «جاء فى يوميات الجنرال لوجيه، وصلنا يوم 14 يوليو إلى قرية «النجيلة» بينما كان الجنرالين «بون» وفيال» ينهبونها، وكان صياح الأهالى وبكاء النساء ونحيبهم يصم الآذان، وقد علم القائد العام «بونابرت» بذلك فأمر الجنرال «دوجا» بالبقاء فى هذه القرية حتى يعود النظام فيها، وقد لاقى «دوجا» صعوبات كبيرة فى القيام بمهمته لأن الضباط كانوا يتذمرون من قلة الزاد، وكانوا لا يقاومون تمرد الجنود».
يضيف «الرافعى»: «جاء فى يوميات الكابتن سافارى عما حدث فى قرية «الطرانة» «تابعة حاليا لمركز السادات محافظة المنوفية»: «صادرنا بعض المواشى التى وجدناها فى طريقنا، وبينما كانوا يقيدونها كان الجنود ينهبون هذه القرية ويخربونها بالرغم من وجود ثلاثة من القواد جاءوا ليمنعوا هذا النهب والتدمير، إن فرقتنا لم تكن تعمل سوى إتمام خراب القرى التى كان يمر بها الجيش، لأن الفرق التى تقدمنا لم تترك فيها إلا ما لا يمكن حمله أو تخريبه، وفى بعض الأحيان كنا نرى النار مشتعلة فى الغيطان قبل حضورنا بحيث لم نكن نعرف كيف نحصل على ما يلزم من التين والشعير لخيولنا.. وكتب الجنرال بليار فى يومياته: وصلنا إلى مقربة من النيل حيث وجد الجنود الراحة تحت ظلال النخيل والجميز بعد رحلتهم الشاقة فى خلال الصحراء، ووصلنا إلى «وردان»، وهذه القرية هى أغنى وأكثر عمرانا، وأعز سكانا من جميع القرى التى مررنا بها، وبالرغم من أن الجنود كانوا فى حاجة إلى الراحة فإن ذلك لم يردهم عن النهب».
يذكر «الرافعي» أن «بليار» يقول فى موضع آخر: «خرجنا من «وردان» وعدنا إلى اجتياز الجهات الرملية ووصلنا إلى «القطا»، ووجدنا الأهالى قد غادروها لما علموا باقترابنا، ولم يأسف الجنود لذلك لأنهم لما يجدوا أحدا فى البيوت، ووضعوا أيديهم على ما وصلت إليه من المتاع، وأخذوا منها ما راق لهم أن يأخذوه.