كانت الساعة الثامنة إلا ثلاث دقائق مساء 23 يوليو، مثل هذا اليوم، 1970 حين افتتح الرئيس جمال عبدالناصر الدورة الرابعة للمؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى العربى، وطلب من الحاضرين الوقوف دقيقة حدادا على أرواح شهدائنا «الذين أعطوا للوطن أنبل وأشرف ما يكون العطاء»، وبعدها ألقى خطابه الذى نشرته «الأهرام» يوم 24 يوليو 1970، واستهله بقراءة رسالة من وزير السد العالى تعلن الانتهاء من بناء محطة كهرباء السد، وعلى هذا النحو يكون العمل فى المشروع اكتمل على أكمل وجه، واعتبر عبدالناصر أن ذلك «إنجاز شعب أعطى للدنيا وللحياة، وشعب سوف يعطى للدنيا والحياة، شعب يبنى كل يوم، ويقاتل فى أى يوم».
كانت أبرز القضايا التى وردت فى الخطاب هى، كشفه لأول مرة عن زيارته السرية إلى الاتحاد السوفيتى فى يناير 1970 لمناقشة غارات إسرائيل فى العمق المصرى، وزيارته العلنية أواخر يونيو 1970، وذكر أن الحرب على الجبهة المصرية من نوع جديد تجرى تجربته لأول مرة فى التاريخ وهو نوع «الحرب الإلكترونية»، وأعلن قبول مصر مباردة وزير الخارجية الأمريكية «وليام روجرز» لكنه تساءل: «هل تستطيع أمريكا منع تدفق الأسلحة على إسرائيل، وهل تستطيع إرغامها على قبول الانسحاب؟..وقال: «عاملان كبيران لهما الأهمية الكبرى فى تغيير الموقف وهما، تزايد قواتنا فى الردع، ثم تزايد الدعم السوفيتى لنا».
من بين القضايا المحلية والخارجية التى شملها الخطاب، تحدث «عبدالناصر» عن الاتحاد السوفيتى ومواقفه، وذلك فى سياق حديثه عن مواقف الأصدقاء مع مصر أثناء وبعد هزيمة 5 يونيو 1967.. قال: «حينما نتذكر الأصدقاء الذين وقفوا معنا فى محنتنا فى الأيام الحالكة الظلام سنة 1967، نقول إن أول هؤلاء الأصدقاء وأحقهم بشكرنا الدائم وعرفاننا غير المحدود هو الاتحاد السوفيتى، الذى وعدنا فى 11 يونيو 1967 فى رسالة استلمتها من قادة الاتحاد السوفيتى «بريجنيف، وبودجرنى، وكوسيجين»، إننا يجب أن لا نيأس، وأن الاتحاد السوفيتى سيساعد بكل الوسائل بأن يمدنا مجانا بأسلحة بدل الأسلحة التى فقدناها فى معارك سيناء، وكان هذا هو أول حجر فى بناء قواتنا المسلحة، ومنذ الأيام الأولى بدأت ترد إلينا هذه الأسلحة، وكان الجميع يقولون فى الغرب والولايات المتحدة وإسرائيل، إننا انتهينا، ولا فائدة ترجى من قواتنا المسلحة أو منا بعد الهزيمة، وكان بعض قادة إسرائيل يقولون فى هذا الوقت أنهم بنتظرون على التليفون، حتى تأتيهم مكالمة من القاهرة أو من دمشق تسألهم عن شروط الاستسلام، لكن الشعب المصرى فى هذه الأيام، وشعوب الأمة العربية كلها رفضت الهزيمة، ولكن كنا نحتاج إلى الأسلحة التى ندعم بها قواتنا المسلحة، ولهذا حينما نقول إننا نشكر الاتحاد السوفيتى ونعبر له عن عرفاننا، نقول هذا لأنه أرسل إلينا الطائرات والدبابات والمدافع والأسلحة، وأعطانا الأمل الكبير فى أننا سوف نصمد وننتصر بإذن الله».
يواصل عبدالناصر شكره للاتحاد السوفيتى، قائلا: «ساعدنا سياسيا سواء فى الأمم المتحدة أو فى المجالات الدولية، وساعدنا اقتصاديا، فحينما كان هناك نقص فى بعض المواد الخام، ولم يكن عندنا من العملة الصعبة ما يمكننا من شراء بعض المواد الخام من الأسواق الحرة التى تتعامل بالنقد الحر، طلبنا من الاتحاد السوفيتى أن يعطينا هذه المواد الخام وفق اتفاقيات للدفع».. وعن دور الخبراء السوفييت قال: «بعد هزيمة 1967 كان من الضرورى ونحن نتحصل على أسلحة حديثة إن نتعلم كيف تستعمل هذه الأسلحة، وعلى هذا الأساس طلبنا الخبراء السوفييت، وهؤلاء يوجدون الآن فى وحدات قواتنا المسلحة، ويعلمون بصورة أخوية وتعاون كامل، هم لا يقاتلون ولكنهم يعملون ويعطون المشورة».
وعن زيارته السرية إلى موسكو فى يناير 1970، التى كشف عنها لأول مرة، أشار إلى ان سببها كان تعرض مصر لغارات فى العمق، فى مناطق كثيرة، بهدف إقناع الشعب المصرى وقواته المسلحة بأنه لافائدة من الصمود، وقال: «وجدنا فى هذه الأيام أن وسائل دفاعنا الجوى لم تكن قادرة على أن توقف هذا التهديد الخطير الإسرائيلى الذى كانت تؤيده أمريكا، وفى يناير 1970 أرسلت إلى قادة الاتحاد السوفيتى أننى أريد زيارة موسكو سرا لاستعراض الموقف الذى نواجهه، وفى 22 يناير سافرت، وتحدثنا أربع أيام، ثم أبلغونى أنهم سيقدمون الدعم المطلوب وسيصل فى مدة لا تزيد عن 30 يوما، وحينما وصلت المعدات الحديثة إلى مصر وجدنا حالة هستيرية عند إسرائيل وأمريكا، وكان الكلام إزاى الاتحاد السوفيتى يدى وحدات صاروخية دفاعية لمصر عشان تمنع طائرات الفانتوم الأمريكية من ضرب الأهالى والعمال، وكانت الجرائد والصحف الأمريكية والبريطانية والغربية عموما تعتبر أن هذا يخل بالتوازن فى الشرق الأوسط، وكأن المفروض بهذا التوازن أن تبقى إسرائيل متفوقة، وتستطيع أن تضرب أى بقعة فى الأراضى المصرية».