ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية في عددها الصادر، اليوم /الثلاثاء/، أن أوكرانيا تواجه حاليًا خيارات أكثر صعوبة بعد إعادة هيكلة ديونها في الأسبوع الماضي، بنحو أظهر عزوف الحلفاء العسكريين عن التدخل وتوفير التمويل اللازم لتغطية عجز الميزانية الشهري البالغ 5 مليارات دولار، وذلك نتيجة أزمتها مع روسيا.
وقالت الصحيفة- في مستهل تقرير نشرته عبر موقعها الرسمي في هذا الشأن- إن كييف أبرمت الأسبوع الماضي اتفاقيات أولية مع حاملي السندات ومجموعة من الحكومات الغربية لتأجيل سداد الديون لمدة عامين اعتبارًا من أول أغسطس، بعد أن ذهبت مناشداتها إلى الحلفاء لسد النقص المالي أدراج الرياح إلى حد كبير.
وأضافت أن الاتفاقات، التي في حال دخولها حيز التنفيذ ستوفر حوالي 6 مليارات دولار، من شأنها أن تخفف الضغط الفوري على أوكرانيا للوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين الأجانب، ويرى البعض أنها تعالج بشكل أفضل الظروف المالية التي أضحت فيها دولة في حالة حرب، وقال مصرفي أجنبي بعد إعلان الأسبوع الماضي: "كان هناك حيرة بين بعض المستثمرين حول سبب عدم قيام أوكرانيا بذلك منذ وقت طويل".
وأبرزت الصحيفة: أن الهدف من الانخفاض الحاد في سعر الصرف داخل أوكرانيا تمحور حول مساعي إبطاء الوتيرة السريعة في سحب احتياطيات أوكرانيا من العملات الأجنبية، حيث قالت ماريا ريبكو من مركز الاستراتيجية الاقتصادية، وهي مؤسسة فكرية مقرها كييف، إن المواطنين الذين فروا إلى الخارج يستخدمون بطاقات الهريفنا المصرفية لسحب 1.5 مليار دولار شهريًا من البلاد بسعر رخيص، لكننا تمكنا عبر إعادة الهيكلة من توفير غطاء لما يزيد قليلاً عن شهر من الإنفاق الحكومي.. مع ذلك، حذر اقتصاديون من أن أوكرانيا لا تزال تحت ضغط مالي حاد؛ حيث أجبرت الحرب كييف على زيادة إنفاقها العسكري الشهري من 250 مليون دولار في فبراير إلى 3.3 مليار دولار في مايو.
وأضافت الصحيفة أن الحكومة، التي فرضت بالفعل تخفيضات شديدة في الإنفاق على الخدمات اليومية لتغطية فاتورتها العسكرية، قد تضطر إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة.. فيما قال يوري جورودنيشنكو، أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا: "يجب أن يحدث شيء ما على الجانب المحلي - إما زيادة الضرائب أو خفض الإنفاق..اعتقد الجميع أن الحرب ستنتهي بسرعة، لكنها ستستمر أشهر، إن لم يكن سنوات".
وفي هذا الإطار.. قالت ماريا ريبكو: مساحة كييف للمناورة أضحت ضيقة للغاية، فمع إعادة تخفيض الإنفاق بالكامل باستثناء أهمها وفرض ضريبة القيمة المضافة والرسوم الجمركية على الواردات- التي تم تعليقها بعد العمليات العسكرية الروسية، الآن، لا توجد خيارات سهلة، حيث إن أي ضرائب إضافية على الشركات من شأنها أن تدفعهم إلى الإفلاس، مما سيعمق الأزمة الإنسانية، وحذرت الباحثة الأوكرانية من أنه إذا استمر الوضع في مستوياته الحالية، فإن الارتفاع الهائل في الإنفاق العسكري سيعني نفاد أموال الحكومة مرة أخرى في الخريف المقبل.
من جانبها، توقعت وكالة التصنيف الائتماني "موديز" عجزًا في الميزانية الأوكرانية يساوي 22 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مما يترك للحكومة الأوكرانية فجوة تمويلية تبلغ حوالي 50 مليار دولار لعام 2022، وتتكون معظم هذه الفجوة من عجز ميزانية الحكومة، الذي يبلغ 5 مليارات دولار شهريًا، فيما أكدت ماريا ريبكو أنه "بدون دعم مالي أجنبي، فإن أوكرانيا ستدخل في دوامة وسيكون من المستحيل الحفاظ على الجهد العسكري".
وتابعت "فاينانشيال تايمز" أن الحكومات الأجنبية والوكالات متعددة الأطراف تعهدت بتقديم نحو 38 مليار دولار لدعم الميزانية منذ بداية العمليات العسكرية الروسية في فبراير الماضي، لكن لم يتم تسليم سوى 12.7 مليار دولار حتى بداية يوليو الجاري، وفقا لوزارة المالية الأوكرانية، ومن المقرر أن يتم تمويل مليار يورو أخرى من الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية الشهر، بينما أكد مصرفي أجنبي يعمل مع كييف أن "الالتزامات كبيرة للغاية لكن المدفوعات غائبة وبطيئة".
بدوره، قال وزير المالية الأوكراني سيرجي مارشينكو- في تصريح خاص لـ "الفاينانشيال تايمز": إن الاعتماد على طباعة النقود لفترة أطول بكثير سيكون "مخاطرة كبيرة" لأنه سيؤجج التضخم، الذي تضاعف بالفعل منذ الغزو إلى 20 في المائة ومن المرجح أن يرتفع أكثر بعد ذلك في ضوء انخفاض قيمة العملة، مما سيرفع سعر الواردات.