"عمري 22 سنة، فقدت أبي في سن الخامسة. أنا وحيدة أمي لكن لي أخوة غير أشقاء من الأب. تزوج أبي من أمي بعد وفاة والدتهم، وكانوا وقتها كبار وتزوجوا. وأمي كانت حنونة عليهم ولم تعاملهم أبدًا معاملة "مرات الأب"، على العكس تنازلت لأصغرهم عن ميراثها من أبي وتركت له شقتها ليتزوج فيها. رغم كل ما فعلته أمي لأجلهم قوبل هذا منهم بالحقد والكره. بدأت المشاكل تظهر بعد وصولي المرحلة الثانوية.
أو ربما وقتها أنا أصبحت أعي وأدرك ما يحدث. "عيني فتحت" على الكثير من التفاصيل الصغيرة التي لم أفهمها من قبل، من سوء معاملة اخوتي لي واستبعادي من كل جلساتهم بحجة أنني صغيرة رغم أن ابنة اختي الكبرى كانت في نفس عمري تقريبًا ويسمحوا لها بمشاركتهم جلساتهم ويسمعوا رأيها ويتجاهلوني كأنني صفر على الشمال.
رغم ذلك لم أحمل لهم ضغينة ولا كره ولكنني كنت أشعر بالحيرة وأسأل نفسي لماذا يفعلون ذلك؟ شعرت أن أختى تكرهني لأنني متفوقة عن ابنتها في الدراسة، ولكن ما لا تعرفه أنني اجتهد لأثبت لهم أنني لن أكون فاشلة لأن والدتي أمية كما سمعتهم بالصدفة يقولون من خلف ظهري. بعدما دخلت الجامعة بدأ الخطاب يطرقون بابي، وهو ما أثار غيرة اختي لأنها كانت تريدهم لابنتها فبدأوا يثيرون لي المشاكل ويتهمونني بسوء الخلق وجعلوني أعيش أسوأ أيامي.
أنا الآن لازلت أعيش معهم في البيت نفسه، مضطرة أن أتعامل معهم وأضحك في وجوههم وأطيعهم دون نقاش ولكن من داخلي غير قادرة على تجاوز الألم النفسي الذي سببته معاملتهم لي، وصلت حتى لمرحلة أنني لا أفهم نفسي هل أحبهم أم أكرههم؟ كل ما أعرفه أنني يجب أن أنجح وأثبت نفسي ليروا ثمار تربية أمي، أعرف أنه لا فرصة أمامي أبدًا للفشل لابد أن أنجح دائمًا لأنني إن وقعت لا أحد سيرحمني لا أنا ولا أمي".
****
عزيزتي، من المفترض أن تشكل الأسرة مصدر الدعم اللا مشروط والقبول، وتكون الملاذ الذي نلجأ إليه حين تضيق بنا الدنيا أو نواجه بعض المتاعب فيها، إلا أن هذا لا يحدث دائمًا، ففي بعض الأحيان تكون هي مصدر القلق والخوف، ومن الطبيعي أن يؤثر ذلك سلبًا علينا إلا أن الجانب الإيجابي هو أن هذا يعلمنا كيف نكون بأنفسنا الملاذ والداعم لأنفسنا.
ما مررتِ به ليس سهلاً ومن الطبيعي أن تشعري بهذا الارتباك في مشاعرك، حيث يقول الدكتور لؤي محمد وجدي، اخصائي المخ والاعصاب والطب النفسيإنه من الطبيعي أن تشعري بهذا الألم النفسي، ليس فقط من معاملة الإخوة ولكن كذلك بسبب فقدان الأب في سن مبكرة من حياتك، أما الإخوة فربما يقلل من حيرتك وألمك تفهم مشاعر الرفض لديهم، فهم أيضًا فقدوا الأم التي تعد بالنسبة لهم رمز لا يمكن استبداله ولا تعويضه لذا كانت لديهم مشاعر رفض تجاه زواج والدهم بعد رحيل أمهم، وهو ما انعكس على معاملتهم.
من الواضح أن الأم تتمتع بالكثير من العقل والأخلاق الطيبة السوية، فهي أحسنت معاملتهم بغض النظر عن أي شيء. ومن الطبيعي أن يتسبب إحساسك بالرفض منهم في مشاعر سلبية كالاضطهاد وقلة التقدير ولكن الإيجابي هنا أن دفاعاتك النفسية حتى الآن لا تزال متماسكة بدليل أنك لم تفقدي الدافع إلى النجاح وأنك تعاملينهم معاملة طيبة، رغم أنك تفتقدين للدعم الاجتماعي تمامًا، عدا أمك.
اؤمن دائمًا أن البحث عن حل هو نصف الطريق، وقد قطعتيه، عليكِ أن تستمري على ثباتك وإيمانك وإصرارك ودافعك القوي للنجاح، وأن تكوني أنتِ مصدر الدعم لنفسك. عليكِ أيضًا ألا تنتظري منهم تحسن في المعاملة فهذا أمر ربما لن يمكنك تعديله وعليكِ تقبله إلا إذا كان لديكِ من السعة النفسية والطاقة ما يكفي لأن تفتحي معهم حوارًا صريحًا تخبريهم بكل ما تشعرين به وتفتحوا صفحة جديدة معًا.
عليكِ أن تسرعي في الحصول على عمل مهما كان بسيطًا طالما أنه شريف، هذا سيجعلك تشعرين بنفسك أكثر ويساعدك في التغلب على أي مشاعر سلبية سببتها معاملتهم لكِ، أما الخطوة الأهم فهي أن تجري تقييم للشخصية لدى متخصص في إحدى العيادات النفسية، لأن من الطبيعي أن تؤثر كل هذه الظروف على شخصيتك وعندما تعرفي نتائج هذا التقييم سيمكنك أن تعرفي كيف تأثرتِ وكيف تبدأي تدارك الأمر بخطوات صحيحة.
خدمة وشوشة
فى إطار حرص "اليوم السابع" على التواصل المباشر مع القراء، وتقديم الخدمات المختلفة والمتنوعة، أطلقت "اليوم السابع" خدمة "وشوشة" لتلقى أى استفسارات أو مشاكل نفسية أو اجتماعية أو تربوية، على أن يتم عرض المشكلات على الخبراء والمختصين الموثوقين ونشر الردود عبر الموقع الإلكتروني والجريدة.
يمكنكم التواصل معنا من خلال رقم واتس اب 01284142493 أو البريد الإلكترونى Washwasha@youm7.com أو الرابط المباشر.