أعلن الرئيس جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس، فى 26 يوليو 1956، فقررت بريطانيا كبح جماحه، وتحالفت مع فرنسا وإسرائيل لشن العدوان الثلاثى ضد مصر، الذى بدأته إسرائيل بغارة جوية يوم 29 أكتوبر 1956، وتوالت أحداث العدوان حتى فشل فى تحقيق أهدافه، وغادرت القوات البريطانية، وقبلها الفرنسية مدينة بورسعيد الباسلة يوم 22 ديسمبر 1956.
كان «سلوين لويد» وزيرا للخارجية البريطانية أثناء هذا العدوان، وكان شاهدا على الأسرار وطرفا فى الاتفاقيات التى عقدت حوله، وفى 5 يوليو 1978، بعد وفاته بأيام قليلة، 18 مايو 1978، أزاح الستار عن العديد من هذه الأسرار، وذلك فى كتابه «السويس 1956»، ووفقا لتقرير موسع عن هذا الكتاب من لندن، نشرته «الأهرام» فى 6 يوليو، مثل هذا اليوم، 1978، قال «لويد»: إن حكومة بلاده توصلت، بعد قرار الرئيس جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس، إلى أنه لو لم يتم كبح جماح جمال عبدالناصر فى ذلك الوقت، فسوف يتعرض مستقبل الشرق الأوسط كله إلى أشد المخاطر، وعلى رأسها انهيار الحكومات الموالية للغرب فى دول المنطقة، وتحكم عبدالناصر فى إمدادات البترول، التى تمر عبر القناة إلى أوروبا الغربية، وتمكن الاتحاد السوفيتى من التغلغل فى الشرق الأوسط وأفريقيا، ثم دفع الحكومة الإسرائيلية إلى اليأس المطلق، وما قد يترتب عليه من قيامها بمغامرات لا تعرف نهايتها بالفعل.
كشف «لويد»، أن رئيس الوزراء الإسرائيلى أثناء هذه الأزمة «دافيد بن جوريون»، ألح عليه أثناء المحادثات السرية، التى شهدتها الضاحية الباريسية «سيفر» يومى 22 و24 أكتوبر 1956 بين ممثلى إسرائيل وبريطانيا وفرنسا، بأن تتعهد الحكومة البريطانية، باستخدام سلاحها الجوى، بتدمير قوة الطيران المصرية تماما قبل أن يسمح للقوات البرية التابعة لإسرائيل بالتحرك.. قال «لويد»: إن رئيس الوزراء الإسرائيلى وصف له هذا الإجراء بأنه ضرورة حيوية للأزمة، وإلا تعرضت العاصمة تل أبيب، وبقية السفن الإسرائيلية الكبرى للتدمير الشامل من جانب الطيران المصرى.
ذكر «لويد» أن «دافيد بن جوريون» طالب كلا من بريطانيا وفرنسا بعقد اتفاقية ثلاثية ملزمة مع إسرائيل، تقوم بموجبها الدول الثلاث بالهجوم المشترك على مصر، وقال: إنه أوضح لـ«بن جوريون» آنذاك استحالة عقد مثل هذه الاتفاقية، وذلك بسبب وجود آلاف الرعايا البريطانيين فى الدول العربية، إذا ما قامت الدول الثلاث بعملية الهجوم، وأنهم قد يتعرضون لمذبحة جماعية، وأن منشآت البترول التى تمثل أكبر المصالح الغربية حيوية وخطورة فى العالم العربى، سوف تتعرض كذلك إلى التدمير الشامل، فى حالة الاتفاق الثلاثى على الهجوم ضد مصر.
وأشار «لويد» فى كتابه إلى دور الرئيس الأمريكى «دوايت إيزنهاور» فى الأزمة، قائلا: أنه طالب بانسحاب جميع القوات المعادية للدول الثلاث من الأراضى المصرية دون قيد أو شرط، وذلك أثناء المناقشات التى تمت فى الأمم المتحدة، نوفمبر 1956، ولكن «لويد» عاد فأشار إلى أنه جرت محادثة خاصة بينه وبين وزير الخارجية الأمريكية «جون فوستر دالاس»، وقال «دالاس» له فيها: لماذا توقفتم ولماذا لم تواصلوا الهجوم حتى يتم لكم إسقاط عبدالناصر؟
وزعم وزير الخارجية البريطانى فى كتابه، أن حكومة بلاده لم تكن لديها نية لخطط التعاون مع إسرائيل فى الهجوم على مصر، كما أنه لم يكن هناك مكان للدور الإسرائيلى فى عمليات الهجوم، التى كانت كل من بريطانيا وفرنسا تزعمان القيام به لحماية الممر المائى لقناة السويس، فى حالة وقوع صدام عسكرى بين مصر وإسرائيل، يؤدى إلى تعطيل حركة المرور، وإيقاف الملاحة الدولية، كما زعم «لويد» أن بريطانيا لم تطلب من إسرائيل القيام بالهجوم على مصر، كما أنها لم تكن تعلم مدى الاتفاق الذى تم التوصل إليه بين كل من إسرائيل وفرنسا على حدة، بالإضافة إلى أن حكومته لم تكن تتوقع أن تقوم إسرائيل بأى هجوم وشيك على مصر، رغم أن «بن جوريون» كان قد أعلن فى المباحثات السرية التى تمت فى «سيفر» أن القوات الإسرائيلية لن تكون مستعدة للتحرك قبل 29 أكتوبر 1956، وهو ميعاد الهجوم الفعلى على مصر.
وذكر «لويد» أن إسرائيل رفضت فى الاجتماع السرى الثانى، الذى تم عقده فى الضاحية الفرنسية «سيفر» يوم 24 أكتوبر 1956، الإفصاح عن خططها العسكرية بالتحديد، ولكنها أشارت إلى نواياها الخاصة باحتلال مضايق «تيران» فى البحر الأحمر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة