كان الوقت قد قرب منتصف الليل، حين توجه «محمد أوفقير»، وزير داخلية ودفاع المملكة المغربية، إلى قصر الصخيرات، الذى يبتعد عن العاصمة، الرباط، بنحو 20 كيلومترا.. كانت الأحوال عادت إلى طبيعتها بعد فشل محاولة اغتيال العاهل المغربى الملك الحسن الثانى، التى بدأت بإطلاق النيران على طائرته، فور دخولها أجواء المغرب بعد ظهر 16 أغسطس 1972، وكانت تحمله من فرنسا، حسبما تذكر «الأهرام، 17 أغسطس 1972».
تواصل «الأهرام» متابعتها للحدث، فتذكر يوم 18 أغسطس، أن المحاولة فشلت بفضل مناورة قائد الطائرة، وأن الملك الحسن أذاع رسالة لاسلكية إلى برج المطار، مدعيا أنه ميكانيكى الطائرة، وقال فى رسالته التى التقطها طيارو المقاتلات الثلاثة: إن الملك قتل، وكذلك قائد الطائرة ومساعدوه، وأنه سيحاول الهبوط اضطراريا فى مطار الرباط.
توقف الهجوم، واغتنم قائد الطائرة، محمد القباح، الفرصة وهبط فى حوالى الساعة الثانية والنصف فى مطار الرباط العسكرى، واتجه الملك منه إلى غرفة كبار الزوار بالمطار المدنى، حيث صافح مستقبليه من كبار رجال الدولة، ولم يكن بينهم «أوفقير»، ثم توجه عبر شوارع جانبية وبسيارة عادية إلى قصر الصخيرات، وبعد وقت وجيز، هاجمت الطائرات المطار وقصفت صالة كبار الزوار.
تجمعت خيوط المحاولة لدى الملك، وتأكد أن رجله القوى «أوفقير» مدبرها، بعد سنوات كان فيها يده اليمنى، وقبله والده محمد الخامس، وطوال خدمته لهما أصبح «التجسيد الحى لأداة القمع والإرهاب»، وفقا لمحمد حسنين هيكل فى مقاله «بصراحة»، الجمعة 16 يوليو 1971»، ومن أشهر جرائمه، اختطاف رجاله للمعارض والمناضل المغربى المهدى بن بركة، فى باريس، ونقله إلى أحد البيوت فى ضواحيها يوم 29 أكتوبر 1966، وحسب «هيكل» فى مقاله «الحسن الثانى» بمجلة «وجهات نظر»، العدد العاشر، نوفمبر 1999، فإن «أوفقير» استجوب «بن بركة» ثم قتله بحراب من حديد، كان يوضع على ألسنة نار مدفأة تتوسط الغرفة، وحينما يحمى الحديد ويحمر لونه باللهب المتوهج على أطرافه، كان «أوفقير» يبدأ فى توجيه طعناته إلى خصمه المقيد بالسلاسل تحت أقدامه، واختفت الجثة دون أن يعرف أحد مكانها حتى اعترف ضابط المخابرات المغربى، أحمد البخارى، بأن الجثة انتقلت من باريس إلى المغرب، وأذيبت فى «حمض الأسيد».
تذكر «الأهرام، 18 أغسطس»، أن أوفقير استقل سيارته مساء ليلة فشل المحاولة، ليلتقى الملك الحسن فى قصر الصخيرات، يرافقه حرسه الخاص وتتبعه سيارة مرسيدس، استقلها عدد آخر من رجال الأمن المرافقين، وعندما وصل صرف السيارة المرسيدس، ولم يبق أمام القصر سوى سيارته، وبعد أكثر من ساعة، خرج من القصر من يخبر سائق أوفقير بأنه لا داعى للانتظار، لأن الجنرال انصرف من باب آخر، وبعد ذلك دق جرس التليفون فى الفيلا، التى يسكنها أوفقير بالعاصمة المغربية، وكان المتكلم أحد رجال البلاط الملكى فى الصخيرات، وأبلغ زوجة أوفقير الشابة أن الجنرال انتحر، وأن سيارة إسعاف فى طريقها الآن بالجثة إلى البيت، وأن القصر يرى أنه لا ضرورة لتشييع الجنازة، ذلك أن طائرة حربية خاصة ستحمل الجثمان إلى مسقط رأسه فى قرية «بودنيب» على مسافة 400 كم من الرباط.
وتروى زوجته «فاطمة أوفقير» فى مذكراتها «حدائق الملك- الجنرال أوفقير والملك الحسن ونحن»، ترجمة ميشيل خورى: «كان يعرف أنه ذاهب إلى موت محتم، وواجه خصومه بجرأة وإباء، قص علينا السائق الذى أوصله إلى القصر ما جرى، كان أحمد دليمى، مدير الأمن والذراع الأيمن لأوفقير، ينتظره عند الباب وعانقه ليتأكد أنه لا يخفى مسدسا، وبالطبع لم يكن أوفقير وهو الذاهب إلى الموت يحمل أى سلاح، صحبه الدليمى إلى قاعة وجد فيها الحسن الثانى، وعبدالحفيظ العلوى، مدير المراسم ووزير القصر الملكى، وريمون ساسيا، الحارس الشخصى للملك فى حينه، وقُتل زوجى تحت بصر الملك بتواطؤ فعال من هذين الشخصين الشريرين «الدليمى والعلوى».
جاء فى البيان الرسمى: «انتحر بعد منتصف الليل، ساعات الصباح الأولى من 17 أغسطس، الرجل صاحب الولاء الشخصى الكبير للملك، وأنهى حياته بسبب أنه فشل فى المعرفة المسبقة بهجوم الصخيرات «انقلاب 1971»، ومن بعد اختياره لطيارين لم يكن يعرف عدم ولائهم»، وتذكر زوجته فى مذكراتها: «كلف أخ أوفقير طبيبا فرنسيا، هو المدير السابق لمشفى ابن سينا، بفحص الجثة»، كان تقرير ذلك الطبيب دامغا: «قتل الجنرال أوفقير بخمس رصاصات، واحدة فى الكبد، وواحدة فى القلب، والثالثة فى الترقوة، والرابعة فى الذراع الأيمن، ورصاصة الرحمة فى الصدغ الأيسر، وانهار موضوع الانتحار نهائيا ».
فى مساء اليوم التالى، تم نقل زوجة أوفقير وأولاده الستة إلى السجن، ليقضوا فيه 19 عاما حتى هربوا منه بطريقة درامية عام 1991 وفروا إلى باريس.