"الحسد" هو من أكثر الأشياء التى يخشى منها الإنسان فى الحياة، ولا خلاف على أنه مُخيف، لأننا لا نشعر به، بل نرى نتائجه، ولأنه واقع وحقيقى، فقد ذُكِرَ في القرآن الكريم، فى قوله تعالى: (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ).
ولكن ألا نرى أننا نخشى من الحسد وننشغل به أكثر من انشغالنا بعمل أشياء عظيمة تستحق أن نُحسد عليها، فطيلة الوقت نحن نرهب هذا السلوك، لدرجة أن كل كلمة فيها مديح زائد، أحيانًا نخشى من أن يكون مدعاها الحقيقي هو الحسد، ونُحاول بشتى الطرق إخفاء أفضل الأمور لدينا، حتى لا نقع في براثن الحسد، وتتوقف أمورنا، ونتعثر قبل إنجاحها، بسبب العين التي أصابتنا.
ولكن هل فكرنا أولاً قبل كل تلك المخاوف التي تُحيط بنا وتُسيطر علينا، ما هي طبيعة الأشياء التي تجعلنا موضع حسد؟ فلا خلاف على أن الحسد قد يأتي على أبسط الأشياء وأقلها، ولكن الإنسان العاقل لابد أن يُركز وينشغل في أن يجعل من أعماله وسيلة لحديث الناس، فلا يهم مَنْ يحسدك؟ ولكن ما يهم هو على ماذا يحسدك؟
فالعلماء لم يخشوا من الحسد، بل ركزوا في الاختراع الذي جعلهم مُخلدين حتى بعد فنائهم من الحياة، والأدباء لم يُركزوا في الحسد، بل وضعوا جُلَّ همهم في الأعمال الرائعة التي جعلتهم مُتربعين على عرش قُلوب الناس مئات وآلاف السنين، وكل عظيم لم يخشَ الحسد، بل انشغل بالعمل العظيم الذي يجعله يستحق أن يُنعت بتلك الصفة على مر التاريخ.
فاسأل نفسك يا مَنْ تخشى من الحسد، لماذا لم يخشَ هؤلاء من الحسد، رغم أنهم نالوا أشياء رائعة تجعلهم بالفعل مناط حسد؟! والسبب ببساطة شديدة أنهم انشغلوا بأسمائهم وتاريخهم، ولم يُشغلوا أنفسهم بنظرات العيون، ونبرات الأصوات، فلم يُؤولوا كل دور إنفلوانزا يُصيبهم على أنه حسد، بل أرجعوه إلى برودة الطقس، وتقصيرهم في حق أنفسهم، ولم يُرجعوا كل حادث في حياتهم إلى الحسد، بل أرجعوه إلى القوة القاهرة، أو السبب الأجنبي، أو الإهمال والتقصير، أو القضاء والقدر. وعليه عاشوا وعُقولهم مشغولة بأعمالهم والتزاماتهم، فنجحوا في تخليد أعمالهم وأسمائهم، وتركوا الآخرين يُفكرون في كيفية درء عين الحسود، وتيقنوا أنه كلما زاد إيماننا، ركزنا مع أعمالنا، وليس مع نظرات عُيون مَنْ حولنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة