عرف الناقد الكبير الراحل على الراعي المسرح من ينابيعه السخية، وراح يبحث عن أصل الظاهرة المصرية في مصر والعالم العربي، حيث كان يؤمن كامل الإيمان بفن المسرح، وبضرورة وصوله إلى الشعب الذي اعتبره مصدرا لإبداع الفنان، هو ما يوضحه في كتاب "مسرح الشعب" الصادر في طبعة حديثة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.
وكتاب "مسرح الشعب"، مجلد يضم ثلاثة كتب: الأول (الكوميديا المرتجلة) والثاني (فنون الكوميديا) والثالث (مسرح الدم والدموع) الكتب الثلاثة يربطها رابط واضح هو أنها في مجموعها تعبير عن رؤية الشعب المصري للمسرح، فالكوميديا الهزلية والنمر الشعبية هي روح الشعب في الموالد والاحتفالات الاجتماعية والدينية والميلودراما هي نظرة الشعب إلى التراجيديا بأنواعها المختلفة، فقال: "لقد رغبت في أن أضم الكتب الثلاثة في مجلد واحد يحمل اسم مسرح الشعب تأكيداً لهذا المعنى ونأياً عن الفكرة القديمة التي يبثها مصطلح "المسرح الشعبي" بما يحويه من تهوين قدر طموح الشعب إلى أن يكون له مسرح).
الكتاب محاولة لإفساح المجال أمام الفن المسرحى كى يوسع من رقعته وقدراته وذلك بالإفراج عن الطاقات الحبيسة للممثل ودفعه إلى أن يتعلم ويتقن وسائل أخرى للتعبير غير الأداء باللفظ والصوت، ولقد وجد المؤلف - بمراجعته تراث المسرح المصرى واعادة توظيفه فى المشهد المسرحى المعاصر - أرضاً صلبة يقف عليها وأن يغذى الحركة المسرحية بظاهرة جديدة وهى التقنية الإرتجالية التى تتطلب من الممثل قدرات خاصة من حيث الحضور وسرعة البديهة والقدرة على مد جسور للحوار مع المتلقى .. ومن هنا يعتبر الكتاب مرجعاً هاماً فى علم اجتماع المسرح ودراسة تقنيات تأليف الكوميديا.
ويوضح الشاعر والناقد جرجس شكري، الذي وضع مقدمة الطبعة الجديدة أنه في كتابه الأول "الكوميديا المرتجلة" ينفض الغبار عن فناني مسرح الارتجال، ويؤكد على قيمته وقيمة الممثل، ويعرض مجموعة من النصوص التي حفظها التاريخ لفناني الارتجال.
أما فى كتابه الثانى يبدأ من مقامات بديع الزمان الهمذانى وتلميذه الحريرى، "فبعد طول تسكع في الطرقات والمجتمعات وقاعات الدرس دخلت المقامة المسرح"، بل ويعود إلى جذور المقامة في أصلها باعتبارها أدبًا تمثيليًّا، وأنها مأخوذة من فعل "القيام" في دار الندوة إبّان العصر الجاهلي.
ويخبرنا في مقدمة الكتاب، قبل أن يقطع أرض الكوميديا المسرحية من صحراء المماليك وحتى سبعينيات القرن الماضي، حيث بدأ من الكوميديا الشعبية بكل تجلياتها وصولًا إلى الكوميديا الانتقادية وممثلها نعمان عاشور، يخبرنا أنه أخذ على عاتقه مهمة أن يصل بين الكُتَّاب المثقفين وبين تراث الناس في المسرح، و"أنه لا شيء يبرر انعزال كُتَّاب الكوميديا المثقفين عندنا عن كوميديا الشعب، فالكوميديا عندنا بعيدة الجذور واسعة الرقعة موفورة الحظ في الوجدان القومي، فلا مستقبل حقيقي للكوميديا ما لم تتصل بالكوميديا الشعبية، بل بجذورها".