فنجان قهوة بصحبة جاك بريفير.. رواية للكاتب محمد المطرفى، صدرت عن دار آثر للنشر، تدور فى المساحة الفاصلة بين الخيال والواقع أحيانا، يبني فيها المؤلف أحداث روايته قصة بطلها، التي يتقاسمها الحلم واليقظة.
وفى هذه الرواية يتناوب المؤلف وبطل روايته التنقل بين الأماكن والأزمنة التي تنسب إلى الخيال والواقع والحلم، وتتوزع على الحياة اليومية والذاكرة، والمخيلة، والمؤلفات الأدبية التي ترافق القارئ، فنرى بطل الرواية الذي تتداعى حياته وعلاقاته الأسرية والزوجية والاجتماعية، بفعل كابوس مريع يرى نفسه فيه يُجلد على يد مارد عملاق في سجن لا يعرف عنه شيئا، ولا لأي سبب هو فيه، وبخلاف الأحلام العابرة التي لا يبقى منها سوى مشاهد متفرقة، يطارد هذا الكابوس بطل الرواية، يوميا، إلى أن يهيمن على تفكيره وتصرفاته التي تبدو، مقارنة بغيره، تصرفات شاذة تثير نفور الآخرين منه.
من هنا، لا يجد البطل سبيلا للخلاص من كابوسه سوى تجنب النوم والهرب منه، لكن الوقت الذي يقضيه دون نوم، يجعل منه شخصا انطوائيا عدوانيا شرسا يتداخل عنده الخيال بالواقع، والحلم باليقظة، بطريقة فوضوية لا يستطيع عندها التمييز بين هذه الثنائيات المتضادة التي تتقاذفه على عرض الرواية.
وهكذا، يتخيل نفسه، في ضوء هذه الفوضى، جالسا برفقة الشاعر الفرنسي جاك بريفير الذي استطاع محمد المطرفي خلق حوارات بينهما حول شتى أمور الحياة، وفي مقدمتها الأدب عموما، والشعر خصوصا، إلى جانب الوحدة، والحزن، والبؤس، والوقت، والأرق الذي يتحول إلى نمط حياة وأسلوب في العيش عند بطل الرواية.
ليس جاك بريفير وحده من يحضر في رواية محمد المطرفي، لكن حضوره هذا هو من يمهد الطريق لحضور أدباء آخرين. فالأرق وما يترتب على محاولات البطل للهروب من كابوسه، ثم حواراته المتخيلة مع الشاعر الفرنسي، دفعه إلى تأليف "معجم" جمع فيه كل ما هو هامشي لا يلفت الانتباه في أعمال أدبية مختلفة. فيأخذ، على سبيل المثال، من روايتي "العطر" و"الحمامة" لباتريك زوسكيند، شخصيتين ثانويتين ليثبت لنا أنهما شخصيتين محوريتين رغم حضورهما الهامشي والعابر فيهما.
لا يقتصر الأمر على الشخصيات الثانوية فقط، بل يشمل أيضا الحيوانات والتفاصيل المادية التي قلما ينتبه إليها القارئ رغم أنها، على ما نراه في رواية المطرفي، تفاصيل محورية في روايات مثل "الغريب"، و"مزرعة الحيوانات"، و"شيطان أبد الدهر"، و"المنارة"، و"ليس لدى الكولونيل من يكاتبه"، و"مذلون ومهانون"، و"النفق"، و"لحن ماثوركا على ميتين"، و"نمور كافكا"، وغيرها من الأعمال الأدبية التي تحضر في الرواية بطريقة تجيب من خلالها على سؤال: ماذا يستطيع الأدب؟.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة