سلط المرصد المصرى التابع للمركز المصرى للفكر والدراسات الضوء على القمة المصغرة في مدينة العلمين، وأكدت الباحثة مارى ماهر أن الحراك الدبلوماسي العربي رفيع المستوى اكتسب زخمًا كبيرًا لكن ضمن نطاقات أضيق تجمع بين الدول الأكثر احتكاكًا وتأثرًا وتأثيرًا بالقضايا الإقليمية محل التباحث والمناقشة، وفي كل الأحوال ينطوي هذا النمط التعاوني على عدة دلالات منها ، إدراك الدول العربية أهمية بناء تحالفات إقليمية لمعالجة التحديات الرئيسية في ظل تشككها بشأن جدوى المظلة الأمنية الأمريكية وحاجتها إلى التعاون في الشؤون الأمنية والاقتصادية المشتركة، لاسيّما مع إدراكها للكلفة السياسية والاقتصادية الباهظة الناجمة عن حقبة الانقسامات، واستمرار المهددات الإقليمية، وتباين أولويات الإدارة الأمريكية الحالية عن المصالح العربية لبعض الدول التي تشعر بالقلق من تحركات إيران وبرنامجها النووي.
وقالت ماهر أن الدلالة الثانية تتمثل في استعادة الدول العربية زمام المبادرة بشأن تحديد أولويات ووجهات سياستها الخارجية، وتبني نهج أكثر استقلالية يراعي المصالح العربية ويرمي إلى بلوغ درجة معينة من التوازن في إدارة العلاقات مع القوى الكبرى، خاصة بعدما بيّنت الحرب الأوكرانية استمرار الأهمية الجيوسياسية للشرق الأوسط في تحديد الأوزان النسبية للدول خلال مراحل إعادة تشكيل النظام الدولي، بحيث تظل ساحاته العديدة المشتعلة محددًا أساسيًا للدولة المهيمنة التي تكون قادرة على حسم تلك الصراعات لصالحها وهنا لا يُمكن إغفال دور المعطيات الجديدة التي فرضتها الحرب كعامل إضافي كان له الفضل في تسريع عملية إعادة الاصطفافات الإقليمية، إلى جانب تراجع مركزية الشرق الأوسط بالنسبة لأولويات السياسة الخارجية لإدارة بايدن.
وتابعت ماهر أن الدلالة الثالثة تكمن فى التطلع إلى إيجاد آليه للاتفاق على حلول مشتركة لأزمات المنطقة تراعي المصالح والأمن القومي العربي، وهو ما يخلق صوتًا عربيًا مسموعًا في القضايا الإقليمية يقف في وجه اللاعبين غير العرب، ويضع حدًا للمشاريع التوسعية التي تستغل حالة الانفلات والضعف وانهيار المنظومة الأمنية العربية لخلق واقع جديد في المنطقة. وهنا تبرز الأزمات السورية والعراقية والليبية بتعقيداتها كنماذج واضحة لما آلت إليه القضايا العربية في لحظات التراجع والتشتت المرتبطة بإعادة رسم الخرائط الجيوسياسية للمنطقة في أعقاب ما سُمي بالربيع العربي، حيث باتوا ساحات للمشاريع الإقليمية والدولية المتنافسة وانهارت معها الدولة الوطنية وسقطت في حلقة مفرغة من الأزمات.
أما الدلالة الرابعة فتتمثل في تحرك مصر من منطلق تحمل مسؤوليتها الإقليمية وإدراكها الواضح لخطورة استمرار تمزقات الجسد العربي على انهيار منظومة الأمن القومي الإقليمي، وما يستتبعه من فتح المجال أمام المشروعات غير الوطنية، الأمر الذي يتوجب معه تقريب وجهات النظر وتجاوز الخلافات البينية نحو بناء رؤية عربية مشتركة للتعاطي مع مشكلات وقضايا الإقليم؛ بما يسهم في دعم الأمن والاستقرار، ويهيئ الطريق لتبني أجندة تنموية مشتركة يُمكن معها استغلال الفرص الاقتصادية التي أوجدتها تداعيات الحرب الأوكرانية. بما في ذلك ارتفاع أسعار النفط وفتح آفاق استثمارية مشتركة لتخفيف الهزات الاقتصادية العنيفة التي ضربت اقتصادات دول المنطقة كجزء من الأزمة العالمية لاسيّما المتعلقة بتدهور الأمن الغذائي وارتفاع أسعار الطاقة وارتفاع معدلات التضخم.
وأشارت الدراسة إلى مبادرة الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة بين مصر والأردن والإمارات والبحرين، وتأسيس صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار بين مصر والإمارات والأردن، وصندوق استثماري آخر مشترك بين الأردن والإمارات بقيمة 100 مليون دولار للاستثمار في مجال المشاريع الريادية، وتوقيع 14 اتفاقية اقتصادية بقيمة 8 مليارات دولار، وضخ استثمارات بقيمة 30 مليار دولار خلال زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى مصر، وتوقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي في مجالات الطاقة والنقل والعقارات والتكنولوجيا خلال زيارة أمير قطر تميم بن حمد؛ خير دليل على آفاق التعاون الاقتصادي الممكنة والتي تجعل الدول العربية تنحي خلافاتها السياسية ولو مرحليًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة