حالة من الجدل الواسع فجرها احتفاظ الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب بمئات من الوثائق المصنفة سرية بعد مغادرته البيت الأبيض، زاعما أنها تخصه. فى حين يقول الإف بى أى، الذى أجرى تفتيشا لمنزل ترامب، بأنها تخص الحكومة والكثير منها سرى للغاية.
وأثارت تلك الأزمة أسئلة متعلقة بتاريخ الوثائق الرئاسية الأمريكية، وكيف تعامل رؤساء أمريكا قبل أكثر من مائتى عام مع تلك الأوراق والوثائق حتى سن الكونجرس قانون عام 1978 بجعل كل تلك الأوراق ملكية حكومية.
صحيفة واشنطن بوست سلطت الضوء على تعامل الرؤساء، وكيف تعرضت بعض وثاقهم للتدمير بكامل إرادتهم، بينما فشل البعض الآخر فى تتبع أوراقهم، وقضت الجرذان على بعض منها.
تقول الصحيفة: عندما غادر الرئيس جورج واشنطن منصبه فى عام 1797، أخذ معه وثائقه الرئاسية. ولم يقم العملاء الفيدراليون أبدا بتفتيش منزله ماونت فيرنون فى جرحينيا. وكانت الأوراق تخص الرئيس السابق وليس الحكومة.
وكما اكتشف الرئيس السابق دونالد ترامب، فإن الكثير قد تغير منذ هذا الوقت. فاليوم، تعتبر الوثائق الرئاسية ملكية عامة، وتخضع لإشراف هيئة المحفوظات الوطنية بعد أن يغادر الرئيس منصبه.
وكان عملاء الإف بى أى قد صادروا صناديق من الوثائق، بما فى ذلك بعض الأوراق السرية للغاية من مقر إقامة ترامب فى مارالاجو بفلوريدا، وهو التفتيش الذى برره الإف بى أى فى وثائق فى وثائق قضائية بوجود 184 وثيقة سرية لم يسلمها ترامب عندما غادر البيت الأبيض. من جانبه ظل الرئيس السابق يقول لأصدقائه إنه يعتبر هذه الوثائق تخصه.
وحتى السبعينيات من القرن الماضى، كان بإمكان الرؤساء السابقين فعل الكثير مما يحلو لهم بوثائقهم الرئاسية. وكانت تلك مشكلة غالبا. فبعض الأوراق تم تدميرها لأغراض محددة، فى حين ذهبت أخرى ضحية لفرض التدمير، وفقا لدراسة للكونجرس أجريت عام 1978. بينما كانت تناثرت مجموعات أخرى فى مناطق متفرقة.
وباعتباره أول رئيس للولايات المتحدة، وضع جورج واشنطن سابقة. فقد خطط لإنشاء مبنى فى مونت فيرنون لتخزين وثائقه، لكنه لم ينفذه. وفى آخر أيام حياته فى نهاية عام 1799، ووفقا للمؤرخين، أخبر واشنطن سكرتيره توياس لير بأنه وجد أنه لا يستطيع أن يتنفس لفترة طويلة، وطلب منه تنسيق وتسجيل كل خطاباته وأوراقه العسكرية، وترتيب كل حساباته وتسوية كتبه.
ورّث واشنطن أوراقه لابن شقيقه قاضى المحكمة العليا بوشرود واشنطن. وأعار القاضى العديد من الوقاثق لرئيس المحكمة جون مارشال، الذى كان يكتب سيرة ذاتية عن أول رئيس أمريكى. وفى وقت لاحق، أعرب ابن الأخ عن أسفه من أن مارشال قد خزن بعض الوثائق ، فتم تشويهها على نطاق واسع من الجرذان ، بينما أضرت الرطوبة ببعض أخر.
فى غضون ذلك، قامت مارثا، زوجة جورج واشنطن بحرق أغلب الخطابات االتى تبادلتها مع زوجها، بعد وفاته. وذكرت واشنطن بوست فى عام 2015 أن القليل فقط من تلك الخطابات تبقى منها خطابين كتبهما جورج واشنطن قبل أن يغادر إلى الحرب.
أما الرئيس الثانى للولايات المتحدة جون آدمز ونجله الرئيس جون كوينسى أدامرز، فقد احتفظا بسجلاتهما ، والتى تبرعا بها ورثتهما فيما بعد إلى ولاية ماسوشستس. لكن بعد ذلك، لم يكن مصير الوثائق الرئاسية يمكن التنبؤ به.
فعندما غادر الرئيس جون تايلر منصبه عام 1845، تم نقل أغلب أوراقه غلى بنك فى ريتشموند. وبعد اندلاع الحرب الأهلية، توفر تايلر عام 1962 هو فى طريقه إلى الانضمام إلى الكونجرس الكونفيدرالى. وتم تدمير أوراقه فى ريتشموند فى إبريل 1865 عندما أضرمت قوات المتمردين النار فى المدينة لإبعادها عن أيدى الاتحاد.
بينما أشارت دراسة الكونجرس سالفة الذكر إلى أن باقى أوراق تايلر تم تركها فى منزله الذى احتلته ونهبته قوات الاتحاد والقوات الفيدرالية عدة مرات.
أما الرئيس زاخرى تايلور، فقد تم تدمير أغلب أوراقه عندما احتلت قوات الاتحاد منزل نجله فى لويزيانا عام 1862.
إبراهام لينكولن
وبعد اغتيال إبراهام لينكولون عام 1865، دمر نجله روبتر تود لينكولن أغلب أوراق والده، حيث اعتبرها بلا جدوى، قبل أن يضع المتبقى منها فى مكتبة الكونجرس. ولم يتم الكشف عن تلك الأوراق حتى عان 1947.
وواجه الرئيس يوليسيس جرانب صعوبة فى تتبع أوراقه. وكتب يقول: كان المكان الوحيد الذى وجدته فى حياتى وقد وضعت فيه ورقة حتى أجدها مرة أخرى إمام جيب معطف جانبى أو موظف أكثر حرصا منى. ونتيجة لذلك، فقد جرانب ببساطة أغلب أوراقه الرئاسية.
أما الرئيس تشاستر أرثر، فقد كره تطف الصحفيين على شئونه، فأمر ابنه فى اليوم السابق لوفاته فى نوفمبر 1886 بتدمير أوراقه الرئاسية. وتم استخدام ثلاث علب قمامة كبيرة لحرق الجزء الأكبر من تلك الأوراق.
أما الرئيس جروفر كليفلاند، فلم يهتم كير بالحفاظ على أوراقه فى فترته غير المتعاقبتين فى الحكم. فقد اعتبر أى أوراق موجهة له ملكية خاصة، على حد قوله، ووجد أنه من المناسب تدميرها حتى لا يستطيع أحد أن يشتكى. وفقد كليفلاند أى أثر للكثير من أوراقه بعد مغادرته المنصب عام 1897، بينما قدم وثائق أخرى لبعض الساعين لتوقيع الأتوجراف.
ويقول تقرير الكونجرس إنه بعد وفاه الرئيس وارين هاردنج بأزمة قلبية عام 1923، دمرت زوجته فلورانس الكثير من الأوراق التى ربما تكون محرجة لذكرى زوجها.
لكن الأمر لم يكن مجديا. فقد زعمت سكرتيرة هاردنج السابق نان بريتون فى كتاب أنه والد طفلها. وأمدت فحوص الحمض النووى الأمر فى عام 2015.
على الجانب الأخر، بذل بعض الرؤساء الأمريكيين جهودا مضنيا للحفاظ على وثائقهم. ففى أوائل القرن العشرين، رتب ثيدور روزفلت وويليان هواد تافت مجتمعات رئاسية تم تمريرها إلى ورقتهم وقدموها لمكتبة الكونجرس. وقدر فى المجمل بأكثر من 700 ألف وثيقة.
ثم سجل الرئيس فرانكلين روزفلت سابقة بالتبرع بسجلاته لهيئة المحفوظات والسجلات الوطنية. وأسس أيضا مكتبة رئاسية، وجعل روزفلت مكتبته مشابهة لأول مكتبة رئاسية.
وبدأت الحكومة فى تصنيف الوثائق كسرية قبل الحرب العالمية الثانية. وقام كل الرؤساء من أول فرانكلين روزفلت بتسليم وثائقهم للحكومة حتى حاول ريتشارد نيكسون السيطرة على بعض وثائق فضيحة ووترجيت بعد استقالته عام 1974.
لكن نيكسون سلم فى النهاية 42 مليون صفحة من الوثائق بعدما مرر الكونجرس قانون السجلات الرئاسية عام 1978، والذى يجعل أوراق الرؤساء ونواب الرؤساء ملكية حكومية.