فى إطار خطة الأفلام الوثائقية التى أطلقتها مؤسسة "اليوم السابع" مؤخرا لتوثيق العديد من القضايا فى مختلف المجالات، يقدم تليفزيون "اليوم السابع" فيلما وثائقيا من إنتاج وحدة الوثائقيات بالمؤسسة، تحت عنوان "نجيب محفوظ.. المواجهة" بمناسبة الذكرى السادسة عشرة على رحيل صاحب نوبل في الآداب لعام 1988، يتحدث فيه عدد من أصدقائه والمقربين منه.
16 عاما مرت على رحيل النجيب، أكثر من عقد ونصف مر على غياب عميد الرواية العربية، الأديب الأبرز فى مصر والعالم العربى، صاحب الثلاثية ومبدع ملحمة الحرافيش الأديب العالمى نجيب محفوظ (1911- 2006) لكن أثره لم يغب عن دنيانا، فأعماله لا تزال تتصدر قوائم المبيعات، وأفلامه لا تزال تخطف أعين المشاهدين، والجدل المثار حول مواقفه متجدد.
منذ سنوات خرج البعض واتهم نجيب محفوظ بالجبن، وأن صاحب "أولاد حارتنا" كان يخشى مواجهة التيارات الإسلامية والسلطة والصدام معهما، وأنه لم يكنه له موقف واحد شجاع. لكننا سعينا لرد الاعتبار إلى الأديب العربى الوحيد الحاصل على نوبل 1988 وتحدثنا مع المقربين منه، وفتحنا كواليس رحلته فى عالم السرد والإبداع.
لم يكن نجاحه سهلا أبدا
نجاح نجيب محفوظ لم يكن سهلا أو مجانيا، فمشواره على مدار سبعين عاما فى عالم السرد جاء مليئا بالعقبات، الاجتماعية والسياسية، لكنه نجح فى الوصول إلى القمة، وهنا يقول الدكتور محمود الشنوانى، إن نجيب محفوظ وصل للقمة فى مجاله، ولا أحد يصل للقمة إلا من خلال مشوار طويل، والرسالة التى حملها نجيب كانت إرساء قواعد الرواية العربية الحديثة، وهى رحلة لم تكن سهلة، رحلة احتاجت أن يهندس لها حياته، أحيانا الناس تتصور أن النضال يكون من خلال الصدام لكن الأستاذ نجيب اختار أن يكون من خلال البناء.
فيما قال الكاتب الصحفى محمد شعير، إنه منذ اليوم الأول لتخرجه من الجامعة قرر نجيب محفوظ أن يخلص للكتابة، فالكتابة كانت حياته، كانت المتعة الشخصية، فالمشروع الأدبى الذى اشتغل عليه، بالتأكيد كانت طريقه شاقة، وعندما نقرأن ثلاثيته التاريخية نعرف أنها لم تكن رواية تاريخية بقدر ما هى تتناول الفترة التى عاش فيها، فنجيب كانت لديه قدرة على تمرير أفكاره بصيغ متعددة، وكاد يدفع حياته بسبب إحدى رواياته وهى أولاد حارتنا، فنجيب محفوظ كان مخلصا للكتابة.
محمود الشنوانى
المواجهة فى معجم نجيب محفوظ
لم يتخف نجيب محفوظ، كما يرى البعض، بل واجه في أعماله وتطرق لمناطق لم يدخلها أحد غيره من أدباء جيله، وممن سبقوه ومن لحقوا به، ويرى الدكتور محمود الشنوانى، أن الصدام، لم يكن الطريقة الوحيدة للمواجهة، والأستاذ نجيب اقتحم هذا المجال وقدم رؤيته للحياة والدين والمجتمع، قدمها بشجاعة وبإخلاص ووضوح، وذلك من خلال تقديم كل ما رآه من خلال كتاباته، ولذلك فنجيب محفوظ كان مناضلا حقيقيا.
أما الدكتور حسين حمودة، فيرى أن نجيب محفوظ كان محافظا على تقديم أفكاره، وبشجاعة، ودفع أثمانا فادحة، وفى فترة من الفترات كان ملاحقا، وكان يضع اسمه فى قوائم المطلوبين، وكل ذلك شكل مواجهة ارتبطت باسم نجيب محفوظ.
بينما يذهب الكاتب الصحفى محمد شعير، إلى أن نجيب محفوظ ترك المواجهة للكتابة، وكان يستطيع أن يقول ما يراه فى كتاباته، وهو لم يكن نشطا سياسا، ومن هنا ومن خلال صمته ومن خلال فكره المنفى لأنه كان يعتبر نفسه منعزلا عن المجتمع.
حسين حمودة
كيف تعامل مع الانتقادات
انتقادات لاذعة وقاسية واجهها صاحب "الثلاثية" بعضهم اتهموا بالتطبيع وآخرون نعتوه بالتكفير، لكنه لم يكن يرد عليهم بطريقتهم، وحول تلك الانتقادات، قال الدكتور محمود الشنوانى، إن نجيب لم تكن مشكلته مع الانتقادات لانه كان يتمتع بأريحية قادرة على تحمل الآراء، لكنه كانت تزعجه قليلا الاتهامات، مثل الاتهامات التى طالته بعد أولاد حارتنا، والاتهامات التى لاحقته بعد جائزة نوبل.
ويوضح الدكتور حسين حمودة، أن أديب نوبل كانت تجاربه مع الأشياء المحزنة فيها شيء من الحكمة، وكانت لديه تجارب محزنة فى كثيرة، لكنه لم ينكسر أمام أى تجربة
ولفت الكاتب الصحفى محمد شعير، إلى أن نجيب محفوظ كان ليبراليا، ولم يكن يعلق على النقد إلا لو كان هناك شبهة شتيمة، لكن بحكم ليبراليته لم يكن يتخيل أنه يتعرض لمحاولة الاغتيال، وكان بيتصور أنه موضوع هزلى، وكان يرفض وضع حراسة عليه.
محمد شعير
الصمت
اتجه نجيب محفوظ إلى الصمت كثيرا فى الرد على منتقديه.. حارب تسلطهم بالتأمل ورد عليه من أعماله سكت لسانه لكن لم يسكت قلمه، وهنا يرى الكاتب محمد شعير، أن الصمت عند نجيب هو حيلة أخذها من جيمس جويس، فهو اختار الصمت، والمنفى بمعناه الرمزى، بأن يكتب ولا يهتم بما يجرى حوله، ودلالات الصمت كثيرا ما تكون أكبر من دلالات الكلام، فهو حدد موقفه من السلطة مبكر جدا، فهو كان يدرك أنه كاتب وليس راجل سياسة، وهو ما نجح فيه.
بينما يقول الدكتور محمود الشنوانى أن نجيب محفوظ كان شخصا شديد الاتزان وشديد الحكمة، فاهم ذاته وفاهم مجتمعه جيدا، هو كان صاحب رسالة، كان يرغب فى إرساء قواعد الرواية العربية الحديثة، وهو ما يتفق معه الدكتور حسين حمودة، حيث أكد ان تجربة "محفوظ" فيها صمت، لكنه له مستويات كتير، كان أحيانا يصمت فى حوارته مع المقربين حتى، ولكن تجربته فى الصمت فى بعض الاتهامات التى تعرض لها، هو كان دائما يتأمل أى مواقف، ويرى الأشياء الإنسانية فمن يتهمونه بهذه الاتهامات.