لماذا تهدر جماعة الإخوان دماء خصومها حتى لو كانوا من الجماعة نفسها؟ لماذا اعتزمت إعادة ناشطها الإرهابى، واكتشفت أجهزة الأمن مخططها عام 1965؟ كيف يمكن تفسير حالة سيد قطب زعيم هذا المخطط؟
كانت هذه الأسئلة محاور لمقال بعنوان «جماعة الإخوان.. كيف بدأت وكيف انتهت؟»، كتبه «خالد محيى الدين» فى «أخبار اليوم» 11 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1965.. كان «محيى الدين» عضوا لمجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952، وتولى رئاسة مجلس إدارة أخبار اليوم عام 1964، وكان مؤسس وأول رئيس لحزب التجمع التقدمى عام 1976، أما مناسبة هذا المقال فكانت اعترافات المتهمين فى تنظيم 1965 الإرهابى بزعامة سيد قطب عن مخططاتهم الإجرامية، من بينها اغتيال رئيس الجمهورية وآخرين، وتفجيرات كبارى فى القاهرة والإسكندرية، وتفجير القناطر الخيرية ومحطات كهرباء رئيسية، ومطار القاهرة، ومبنى الإذاعة، وغيرها.
يؤكد «محيى الدين» فى مقاله: «فى كل مرة اختلف فيها الإخوان مع عامة المسلمين، اعتبروا أنفسهم وحدهم حملة لواء الدعوة الإسلامية، ولذا لم يكن غريبا قط أنهم فى كل صراع، أهدروا دماء خصومهم واستباحوا، حتى وإن كانوا من أبناء الجماعة نفسها، وكان هذا الأسلوب سببا فى عزلتهم الدائمة عن باقى الشعب، فالناس تعلم أن الدين لله، وأنهم جميعا عباده وليس من حق إنسان أن يحتكر الحديث باسم الله، فكل مؤمن من حقه أن يسعى، وأن يفكر، ويجتهد لخير أمته، ولا يمكن أبدا لشعبنا أن يقتنع بأن حق السعى والاجتهاد قد قصر فى الإسلام على فئة وحرم منه الآخرون».
يذكر «محيى الدين»: «منذ صدام الإخوان مع الثورة عام 1954 «محاولة اغتيال جمال عبدالناصر فى المنشية بالإسكندرية»، تورط الإخوان فى مجموعة كبيرة من الحماقات، ووصل الحال فى 1956 إلى أن بعض قادة الإخوان كانوا يعبرون لكل من حولهم، ابتهاجا بأنباء العدوان الثلاثى، وكان بعضهم يعتبر أن الخير جاء على يد الاستعمار، وهنا لاحظ كثيرون ممن ارتبطوا بالإخوان خطورة المصير الذى تورطوا فيه، ولاحظوا أن منطقهم فى مواصلة العداء للثورة يؤدى بهم إلى الارتباط بالأعداء الحقيقيين للإسلام والمسلمين، لأنه لا يوجد عدو للإسلام والمسلمين أكثر من الاستعمار الذى أفقرهم ومزق وطنهم، ولذلك بدأ منذ عام 1956 - بالذات - أنشط جدال فكرى داخل صفوف الإخوان.. إن أغلب من انضم إلى الجماعة لم يرتبط بها إلا سعيا لتجديد شباب أمته وسحق إسرائيل والاستعمار، فإذا انتهى الأمر بالجماعة إلى حد التكبير والتهليل لكل انتصار تحرزه بريطانيا وأمريكا، فإن هذا من شأنه أن يدفع الشباب المؤمن إلى مراجعة مواقفه الفكرية، واكتشاف موضوع الخطأ بها».
يكشف «محيى الدين»، أنه أتيح له متابعة طرف من هذه المراجعات الفكرية، وكان جزء كبير منها يتم داخل السجون.. وحدث فى المناقشة ما يحدث دائما فى كل خلاف داخل الإخوان.. فاتهم المخالفون الذين أرادوا أن يراجعوا التفكير والمواقف بأنهم كفروا وخرجوا من دينهم، ولكن فى السجن لم تكن لدى قيادة الإخوان أسلحة تقتل به خصومها، فاكتفت بإيذاء هؤلاء الخصوم بكل ما تستطيع من ألوان الإيذاء المعنوى والمادى، ولكن الحقائق كانت أقوى من أن تخفيها صياحات القادة المتشنجة.
وعن سيد قطب، يذكر: «حالة سيد قطب شخصيا، لا يمكن أن توصف بأنها ترجع إلى مجرد ضيق الأفق، فالحقيقة أن سيد قطب قبل الثورة من أكثر المفكرين الإسلاميين وضوحا، وفى كتب له مثل «العدالة الاجتماعية فى الإسلام»، وكذلك فى مقالاته التى كان ينشرها عام 1951، كان يسعى إلى مهاجمة الظلم الاجتماعى ممثلا فى الإقطاع وسيطرة رأس المال بكلام واضح وصريح، ولهذا عجبت حين طالعت فى الفترة الأخيرة كتابه «هذا الدين»، فإذا به ناقم متمرد على كل ما يحدث حوله، ولا يرى فيه أى بصيص من النور أوالأمل.. كل ما حوله جاهلية فى جاهلية، بل وجاهلية الأمس القديمة كانت جاهليات جهل وسذاجة وفتوة، أما الجاهلية الحاضرة فجاهلية علم وتعقيد واستهتار».
يضيف «محيى الدين»: «عجبت أكثر حين طالعت كتابه «معالم فى الطريق» فإذا به يؤكد على نحو أشد حكاية الجاهلية هذه «نعم نحن فى جاهلية كالجاهلية التى عاصرها الإسلام، أو أظلم».. الأمر لم يعد قضية فكرية، وإنما أن الرجل تحول من مفكر إلى حاقد، ومن حاقد إلى متآمر.. إن الرجل كره العالم كله، والناس كلهم، وأصبح واجبا فى رأيه أن تؤلف العصابات لإرهاب هذا العالم وإخضاعه، لقد لخص الرجل آماله فى خلق هذه العصبة الإرهابية وهو فى «معالم فى الطريق» يدعو أعضاء هذه العصبة أن يحصروا ولاءهم فى التجمع الإسلامى الجديد، وفى قيادته المسلمة «أى قيادة سيد قطب»، وكان الرجل واسع الأحلام.. فقال إن تجمعه الإسلامى قد يبدأ بثلاثة، والثلاثة - كما يقول - يصبحون عشرة، والعشرة يصبحون مائة، والمائة يصبحون ألفا، والألف يصبحون اثنى عشر ألفا.. هكذا كانت الأحلام قبل أن تتبخر».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة