دخل القلوب طفلاً وأبدع فى كل مرحلة..حمل مواهب وطاقات لم تستغل..تعامل مع المرض بصبر ورقى وقاوم الألم فى صمت حتى لا يراه الجمهور فى حالة ضعف كنا نأمل أن يقاوم ..ألا يستسلم وأن ينتصر على المرض، أن يكون متمرداً كما عهدناه ورأيناه وأحببناه حين ظهر لأول مرة صبياً فى عمر 14 عاماً بفيلم امبراطورية ميم مجسداً مشاعر الرفض والتمرد عند ملايين المراهقين فى مثل عمره ، أو أن نراه صامداً أمام المرض اللعين كما وقف أمام بلدوزر فضة المعداوى ليقاوم القبح والخبث والبلطجة فى مسلسل الرايا البيضا ، ولكنه لم يفعل وفضل أن يرفع الرايا البيضا وأن يسلم روحه لله ويودع عالمنا إلى عالم آخر تاركاً سيرة عطرة ومسيرة طيبة وأعمال فنية تتحدث عن مواهبه التى عبر عنها وتؤكد أنه كان لديه المزيد من الطاقات والمواهب التى لم يسعفه الحظ والعمر ليعبر عنها جميعاً.
رحل الفتى المتمرد والشاب الموهوب والرجل الناضج والفنان الراقى المبدع المحترم ابن الأصول هشام سليم بعد رحلة مع المرض اختفى خلالها عن الأنظار وفضل ألا يراه جمهوره فى وقت ضعفه وألمه، وأن يترك للجمهور صورته وهو بكامل صحته ولياقته وإبداعه وخفة ظله وابتسامته الهادئة الراقية الجميلة.
رحل هشام سليم تاركاً رصيداً من الأعمال الرائعة والمحبة الكبيرة والعشرة الطويلة مع الجمهور الذى عرفه الجمهور وأحبه عام 1972 وهو فى سن 14 عاما مع أول ظهور له فى فيلم "امبراطورية ميم" عندما اختارته سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، ليجسد شخصية مدحت الابن المراهق، الذى عبر عن مشاعر ملايين المراهقين فى مثل سنه، ومنذ هذا الحين ارتبط به الجمهور وشعر أنه ابن لكل أسرة.
رأى الجمهور وتابع هذا الفتى وهو يكبر أمام عينيه، وبعدها اختاره المخرج العالمى يوسف شاهين ليجسد شخصية إبراهيم فى فيلم عودة الابن الضال، ثم غاب الفتى ليظهر من جديد فى مرحلة الشباب ويخطف الأنظار فى فيلم تزوير فى أوراق رسمية، وتوالت أدواره ليبدع فى كل مرحلة من مراحل عمره بهدوء وسلاسة وبلا ضجيج ، يختار أدواره بعناية ويجسدها ببراعة وإتقان وسهولة وصدق.
دخل هشام سليم القلوب حين جسد شخصية عادل البدرى بكل تحولاتها فى مسلسل ليالى الحلمية ، واستفز المشاعر وهو يجسد شخصية بهلول الابن الوصولى العاق فى فيلم "الأراجوز" ، وصدقناه وأحببناه وهو يجسد شخصية هشام أنيس الشاب المثالى صاحب المبادئ فى مسلسل الراية البيضا، وفى ذات الوقت لم نر أنسب منه لتجسيد شخصية محسن الشاذلى الشاب المدلل "التوكسيك" فى مسلسل هوانم جاردن سيتى ، كما برع وهو يجسد شخصية حسنى النعمانى ابن البلد المتعلم بما يحمله من مشاعر واقعية وحقيقية فى مسلسل أرابيسك.
هشام سليم الذى امتلك طاقات وإمكانيات ومواهب فنية لم تستغل ولم تكتشف حتى رحيله ، يمكنك أن تتأكد من ذلك وأنت تراه يتقن أدواره الاستعراضية ، ويغنى ويرقص فى عدد من الأعمال، ومنها مسرحية شارع محمد على وفيلم يامهلبية يا، و فوازير خد وهات، كما يفاجئك ابن المايسترو صالح سليم و العائلة الارستقراطية بقدرته على تجسيد شخصية ابن البلد أوالفلاح والعمدة فى مسلسل المصراوية الذى جسد فيه شخصية العمدة فتح الله الحسينى أو شخصية شمس الدين عاشور الناجى فى مسلسل الحرافيش ، ويصل إلى قمة النضج الفنى حين قام بدور رجل المخابرات فى مسلسلى هجمة مرتدة وكلبش، وغيرها عشرات الأدوار المتنوعة.
تنوعت أدوار هشام سليم وفى كل منها أثبت موهبته الكبيرة وبراعته فى تجسيد الشخصيات المختلفة وقدرته على انتقاء أدواره فى كل مراحل عمره، دائماً تراه طبيعياً حقيقياً دون تكلف أو تصنع لذلك دخل قلب وعقل المشاهد بسهولة.
وبالرغم من أن الفنان الكبير هشام سليم لم يكن يحب الظهورفى الكثير من اللقاءات أو الحوارات إلا أنك بمجرد أن تراه وتستمع إلى حديثه تشعر بأن الصدق والتلقائية وعدم التكلف أو التصنع جزء من شخصيته، فهو يحمل الكثير من صفات والده المايسترو صالح سليم مظهراً وجوهراً، ويطبق ما تعلمه منه وتربى عليه من الصدق والوضوح والرقى فى التعامل مع كل الأمور الشخصية والفنية.
تعلم هشام سليم من والده أن يكون صادقاً وأن الطريق المستقيم هو أقصر وأسهل الطرق لذلك فهو لا يعرف اللف والدوران والطرق الملتوية، كما تعلم من المايسترو أنه حين تعمل وتنجح فهذا هو العادى الذى لا يحتاج أن تنتظر شكراً أو تصفيقاً وتهليلاً ولكن الغير عادى أن تعمل وتفشل، فهذا يحتاج أن تقف وقفة مع النفس لتصارحها وتعرف أسباب فشلك.
لمس الجمهور الكثير من صفات هشام سليم فى تعامله وحديثه عن قضية ابنه نور ، ومدى تفهمه وحكمته فى التعامل مع هذه القضية.
وفضلا عن هذه الحكمة والرزانة فإنك حين تستمع أو تشاهد أحد حوارات الفنان هشام سليم تكتشف ما تمتع به من خفة ظل وبساطة وقدرة على الإقناع واكتساب حب واحترام الجمهور الذى جمعه به عشرة ومحبة دامت 50 عاما، منذ رآه فتى مراهقاً وحتى أصبح أباً حكيماً ناضجاً، فرأت فيه معظم الأسر صورة الابن والأخ والصديق والأب.
شعر الجمهور بالقلق حين عرف بخبر مرض الفنان الكبير هشام سليم وكأنه فرد من كل أسرة مصرية وعربية، ولكن جاء تعليق الفنان الكبير ليحمل من القوة والصبر ما يتوافق مع شخصيته وصفاته وما يطمئن جمهوره ، حيث قال :" راض بقضاء الله والحمد لله كل اللي يجيبه ربنا كويس، وأنا بخير لحد دلوقتي".
توارى هشام سليم عن الأنظار فترة مرضه لم يشأ أن يحزن جمهوره حين يراه يتألم أو يرى تأثيرات المرض عليه، فضل أن تبقى صورته كما تعودناه، تعامل مع المرض بصبر ورقى ، قاوم فى صمت دون أن يصرخ أو يفصح عن ضعفه وألمه وحين وصل للجولة الأخيرة اكتفى بهذا القدر من الألم والمقاومة ورفع الرايا البيضا مستسلماً لقضاء الله وتاركاً ورائه محبة كبيرة وحزناً عميقاً على فنان عرفناه طفلاً وكبرنا وكبر معنا حتى أصبح جزء من ذاكرتنا وذكرياتنا..رحم الله الفتى المتمرد والشاب الجميل والرجل الناضج والفنان الراقى الموهوب هشام سليم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة