كانت الساعة الخامسة صباح 23 سبتمبر 1966، حين توفى الشيخ على عبدالرازق، العالم وأستاذ الشريعة الإسلامية، وعضو المجمع اللغوى من عام 1947، حسبما تذكر «الأهرام» فى صفحتها الأخيرة يوم 24 سبتمبر 1966، وتذكر نبذة عن سيرته، قائلة: «هو العالم الذى أثار ضجة فى مصر منذ 41 سنة - عام 1925 - عندما ألف كتاب «الإسلام وأصول الحكم»، وأصدر الجزء الأول منه، ثم أوقف طبع بقية أجزائه، وشغل عضو مجلس النواب والشيوخ، وكرسى وزارة الأوقاف عام 1948، وكان يحاضر لطلبة الدكتوراه بجامعة القاهرة، ومن مؤلفاته « الإجماع فى الشريعة الإسلامية»، و«آمالى فى علم البيان وتاريخه»، وهو الشقيق الأصغر للدكتور مصطفى عبدالرازق، شيخ الجامع الأزهر من عام 1946 إلى 1947، وعضو مجمع اللغة العربية، وكان باحثا فى الشريعة والفلسفة والأدب.
كانت المعركة التى دارت حول كتاب «الإسلام وأصول الحكم» عنيفة تداخلت فيها السياسة مع الدين، ويلخص الكاتب الصحفى محمود عوض فى كتابه «أفكار ضد الرصاص» ما أراده عبدالرازق فى كتابه، قائلا: «قام الشيخ على عبدالرازق بتعرية الخلافة من قناعها الدينى، لقد فضح أساليب السياسة فى استخدام الدين لحساب أغراضها، وكشف دور الملوك فى استغلال الدين والخلافة، ضد الحرية والتفكير والعلم».
على أثر صدور الكتاب عقدت «هيئة كبار العلماء» محاكمة له يوم 12 أغسطس 1925، وكان شيخ الأزهر الشيخ محمد أبوالفضل الجيزاوى، هو الذى يترأس المحاكمة، وتذكر جريدة «السياسة» فى العدد الذى أصدرته مساء نفس اليوم «12 أغسطس 1925»: «فى منتصف الساعة الأولى بعد الظهر، أصدرت الهيئة حكمها ونص: «حكمنا نحن شيخ الجامع الأزهر، بإجماع أربعة وعشرين معنا من هيئة كبار العلماء بإخراج الشيخ على عبدالرازق، أحد علماء الجامع الأزهر، والقاضى الشرعى بمحكمة المنصورة الشرعية، ومؤلف كتاب الإسلام وأصول الحكم، من زمرة العلماء».
أثار القرار ضجة هائلة وأزمة سياسية، خرج على أثرها وزير الحقانية عبدالعزيز باشا فهمى، الذى طرح سؤالا على رئيس الوزراء بالنيابة، يحيى إبراهيم، حول الرأى القانونى فى مدى اختصاص هيئة كبار العلماء لمحاكمة عالم فى الأزهر، لكنه لم يتلق جوابا ولكن رد رئيس الوزراء بالنيابة، قائلا: «ياعبد العزيز باشا لم يعد ممكنا أن نستمر فى العمل معا»، يذكر «عوض»: «تساءل وزير الحقانية مندهشا: ماذا تقصد؟ رد رئيس الوزراء: أقصد أنك تستقيل، رد فهمى: وأنا لن أستقيل: قال رئيس الوزراء: إذن أقيلك أنا»، وبعدها استقال ثلاثة وزراء، وانهار الائتلاف الوزارى، كما لم يحدث مع أى كتاب فى تاريخ مصر السياسى، وفقا لتأكيد «عوض».
دارت عجلة المطابع بالكتب التى ترد على «الإسلام وأصول الحكم»، فكتب الشيخ محمد نجيب المطيعى، مفتى الديار المصرية كتابه «حقيقة الإسلام وأصول الحكم»، وكتب الشيخ محمد الخضر حسين كتابه بعنوان «نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم».
مرت سنوات طويلة على هذه المعركة وبقيت آثارها على الشيخ، ويذكر محمود عوض، أنه بعد مرور 41 سنة على صدور الكتاب، وقبل أن يتوفى الشيخ على عبدالرازق يوم 23 سبتمبر 1966، ذهب إليه أحد الكتاب يطلب موافقته على طبع الكتاب من جديد، وفى منزل «عبدالرازق» دار الحوار التالى بين الناشر والمؤلف:
هل تسمح لنا بإعادة طبع كتابك العظيم «الإسلام وأصول الحكم» رد عبدالرازق: لا، لا يا سيدى، سأله: لماذا؟ هل أنت تتخلى عن كتابك ورأيك؟ أجاب: لا، لست أتخلى عنه أبدا، لكننى لست مستعدا لأن ألقى بسببه أى أذى جديد، إننى ما عدت أستطيع ذلك، كفانى ما لقيته، هل تعرف أنهم كادوا يطلقونى من زوجتى؟ رد الناشر متعجبا: لهذا الحد؟! قال: نعم، على أننى لحسن الحظ لم أكن متزوجا حينذاك، فضاعت عليهم الفرصة».
علق الناشر: لقد انتهى ذلك العهد البغيض، ولن تلقى اليوم 1966، أى أذى، ولن يلقى كتابك غير التكريم والتقدير والإشادة، من المفكرين ومن الدولة على السواء، رد عبد الرازق: من يدرينى؟ أريد تأكيدا من الدولة، أريد ضمانا، قال الناشر: إن واقعنا الفكرى والاجتماعى الجديد هو خير ضمان.
هز الشيخ على عبدالرازق رأسه قائلا فى مرارة: لم أعد أحتمل أى مغامرة جديدة، من يدرى؟ اطبعوا الكتاب على مسئوليتكم، ولا تطلبوا منى إذنا بغير ضمان أكيد أطمئن إليه.
يعلق «عوض»: «كلمات قالها على عبد الرازق فى سنة 1966، ثم مات، مات بلا ضمان».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة