موظف بسيط مطحون يعمل ليل نهار كى يكفى أبسط احتياجات أسرته الكبيرة التى تتكون من عدد كبير من الأبناء فى أعمار مختلفة، تتزايد الضغوط والالتزامات ويعجز الأب عن تلبيتها جميعا، وفى لحظة من لحظات الضعف والضغط يضطر إلى تقديم تنازلات، فيختلس أو يضحى بأحد أبنائه وبناته، معتقدا أنه يفعل ذلك من أجل باقى الأسرة، هكذا هى التيمة الأساسية التي تعاملت منذ زمن بعيد مع زيادة عدد أفراد الأسرة فى الأعمال الفنية حتى من قبل أن تظهر وتتبلور قضية تنظيم الأسرة.
طبيعى أن يكون هذا هو المنحى والمصير المحتوم لأسرة تزيد أعباؤها وعددها على مواردها ودخلها فتعانى من الحاجة ويعانى أفرادها من الحرمان المادى والعاطفى وتتدرج التنازلات والخسائر والانهيارات التي تعانيها هذه الأسرة، وبالطبع كان الفن دائما ولا يزال ترجمة وانعكاسا لواقع المجتمع ومشكلاته منذ زمن بعيد وحتى الآن، لذلك نجد العديد من الأعمال الفنية التي اعتمدت على هذه التيمة من دون قصد وقبل ظهور حملات تنظيم الأسرة.
حسين رياض وزكى رستم.. أبدع الفنان حسين رياض حين قدم شخصية الأب الموظف المطحون المسؤول عن 7 بنات فى الفيلم الذى حمل نفس الاسم «السبع بنات»، والذى تم إنتاجه عام 1961، حيث يظهر خلال الأحداث حجم الضغوط التي يعانيها الأب للإنفاق على بناته وتعليمهن وكيف يقع تحت ضغط الابتزاز بين وظيفته وسعادة إحدى بناته فى الارتباط بالشخص الذى تحبه، وذلك حين ضغط عليه مديره كى يرفض زواج ابنته من هذا الشخص وإلا يفقد وظيفته.
نفس المعاناة والضغط الذى جسده الفنان الكبير زكى رستم فى فيلم «أنا وبناتى» عام 1961، معاناة الأب البسيط الذى لا يستطيع تجهيز بناته الأربع ويمرض بعد أن يستولى أحد النصابين على مكافأة معاشه، ويتدهور حال الأسرة حتى تنتحر إحدى بناته.
لم يكن مفهوم تنظيم الأسرة أو الوعى بمخاطر الزيادة السكانية قد ظهر أو تبلور فى هذا الوقت الذى جسدت خلاله الأعمال الفنية معاناة الأسر الكبيرة، ولكن تلك الأعمال كانت تنقل بعض الصور من الواقع، حيث كان من الطبيعى أن تعرض الأعمال الفنية مشكلات الواقع حتى قبل أن تظهر مصطلحات تنظيم الأسرة ومواجهة الزيادة السكانية.
وهكذا استمرت الأعمال الفنية فى تقديم الواقع الاجتماعى للأسر المصرية ذات العدد الكبير كجزء من المجتمع بأشكال مختلفة، كلها يؤكد حقيقة تلك المعاناة الناتجة عن الفجوة الناتجة عن زيادة احتياجات الأسر على مواردها ودخلها وما ينتج عن ذلك من ضغوط ومعاناة.
كانت هذه نفس التيمة التى اعتمدت عليها أفلام حققت نجاحا كبيرا فى نقل صورة الواقع وحياة المصريين ومنها فيلم «أم العروسة» عام 1963 بطولة عماد حمدى وتحية كاريوكا، الذى رأت فيه الطبقة المتوسطة وأغلب الموظفين صورة بيوتهم ومعاناتهم على الشاشة فى شكل اجتماعى كوميدى تتصاعد خلاله الأحداث، حتى يضطر الأب الموظف البسيط إلى سحب مبلغ من عهدته لاستكمال جهاز ابنته فيصبح مهدداً بالسجن تزامنا مع فرح ابنته، لولا تدخل صديقه الموظف معه بالشركة وتسديده المبلغ قبل اكتشاف هذا الاختلاس.
واستمر تقديم هذه الصورة فى الجزء الثانى من القصة التى جسدها فيلم «الحفيد» عام 1974 بطولة كريمة مختار وعبدالمنعم مدبولى.
الأرانب ومصطلح تنظيم الأسرة.. وظهر مصطلح تنظيم الأسرة فى عام 1965 عندما أنشأ الرئيس الراحل جمال عبدالناصر المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة، وبدأ الانتباه لقضية الزيادة السكانية بالتدريج حتى بدأت مع بداية الثمانينيات حملات إعلانية وفنية منظمة لتنظيم الأسرة.
وكان فيلم «أفواه وأرانب» عام 1976 لسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة من أهم وأبرز الأفلام التى عرضت مشكلة الزيادة السكانية ومعاناة الأسر الكبيرة بشكل مباشر وواضح، وما يسببه تواكل الأسر وزيادة أعدادها من مشكلات تعانى منها كل الأطراف، وترجمت أغنية الفيلم الشهيرة هذه المعاناة وتلك المشكلات، حيث تحدث الفيلم عن «نعمة» التى تعيش مع أختها وزوجها وأبنائهما التسعة فى منطقة ريفية، ويعانى الجميع خلال الأحداث من وطأة الفقر والظروف الصعبة وتواكل الزوج والزوجة الذى أدى إلى تزويج «نعمة» دون علمها وإرادتها من المعلم «بطاوى» المتزوج من عدة زوجات مقابل المال، ودفع بأحد الأبناء إلى محاولة قتله لتخليص خالته من سطوة هذا الرجل ومن الزيجة المزورة.
وبالرغم من أن أفلام مثل «إمبراطورية ميم» لسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة والذى تم عرضه عام 1972، و«عالم عيال عيال» عام 1976 للفنانة الكبيرة سميرة أحمد لم تكن مشكلة الأسر الكبيرة فيها مشكلة مادية، حيث كانت الأم فى «إمبراطورية ميم» ذات منصب كبير ولم تتطرق الأحداث فى فيلم «عالم عيال عيال» إلى المشكلات المادية، حيث كان الأم والأب من ذوى المناصب والوظائف الكبيرة، فإن الأحداث عرضت العديد من المشكلات التى تواجهها الأسر الكبيرة فى متابعة الأبناء وتربيتهم واستيعاب مشكلاتهم، كما تناولت بعض الأفلام قضية كثرة الإنجاب ومشكلاته بشكل كوميدى ومنها فيلم «البعض يذهب للمأذون مرتين»، حيث جسد الزعيم عادل إمام مشكلة الزوج الذى لا تجد زوجته وسيلة لربطه بها سوى كثرة الإنجاب.
بيع الأبناء وزواج القاصرات وأطفال الشوارع.. وأظهرت الأعمال الفنية فى العديد من الموضوعات معاناة الأبناء أيضا الذين يصبحون ضحايا بسبب كثرة الإنجاب وخاصة مع قلة الدخل، وارتباط قضايا زيادة الإنجاب بالعديد من المشكلات والقضايا الأخرى حيث يصل الأمر أحيانا إلى أن تبيع الأسرة أحد أو بعض أبنائها لتستطيع الإنفاق على باقى الأبناء، سواء للتبنى أو بزواج القاصرات وقضايا أطفال الشوارع، وهو ما جسدته أفلام مثل «لا تسألنى من أنا» للفنانة الكبيرة شادية عام 1984، حيث اضطرت الأم إلى بيع إحدى بناتها للسيدة التى تعمل لديها كى تستطيع الإنفاق على باقى الأبناء.
كما ظهرت مشكلات الأسر الفقيرة كبيرة العدد فى أفلام مثل «الصبر فى الملاحات» عام 1986، و«الجراج» عام 1995، وفيلم «الغابة» عام 2008، و«حين ميسرة» عام 2007 وغيرها من مسلسلات وأفلام.
وقدمت الدراما التليفزيونية العديد من الأعمال التى تناولت الآثار الضارة للزيادة السكانية، ومنها مسلسلات «عادات وتقاليد» عام 1972، و«أهلا بالسكان» عام 1984، و«وما زال النيل يجرى» عام 1992، و«القاصرات» عام 2013، و«أريد رجلا» عام 2015 والذى تحدث عن قضية إنجاب البنات ومسؤولية الرجل عن تحديد جنس المولود بعكس المعلومات الخاطئة المتداولة التى يتخذها الرجال ذريعة لتعدد الزوجات بهدف إنجاب الذكور، وشارك كبار الكتاب والفنانين والمخرجين فى صناعة هذه الأعمال، ومنهم الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة والشاعر الكبير سيد حجاب والمخرج الكبير محمد فاضل وغيرهم.
الحملات الإعلانية.. ومع بدايات عام 1980 ظهرت الحملات الإعلانية التى تشجع المواطنين على تنظيم الأسرة وتوضح أنواع وطرق استخدام وسائل منع الحمل، وترد على الشائعات التى رددها البعض بشأنها فى ما يتعلق بالفتاوى الدينية أو الآثار الصحية، وحازت هذه الإعلانات شهرة وانتشارا واسعين، وحققت نتائج كبيرة حيث استخدمت الأغانى والرسوم المتحركة والصور الغنائية والتمثيلية والشعارات التى حفظها الجمهور وشارك فيها عدد من النجوم الذين يتمتعون بجماهيرية كبيرة، ومنهم الفنانة الكبيرة كريمة مختار والفنانة الشعبية فاطمة عيد، وكان من أشهر هذه الإعلانات «أغنية حسنين ومحمدين، وإعلان شلبية، والراجل مش بس بكلمته، وإعلانات التوعية وغيرها»، كما استخدمت هذه الإعلانات اللغة والأساليب القريبة من سكان الريف، وتصحيح المفاهيم الخاطئة المنتشرة بين البسطاء حول العزوة بكثرة الإنجاب، وكراهية إنجاب البنات، والمسؤول عن تحديد جنس المولود وغيرها من معلومات خاطئة حاولت هذه الحملات تصحيحها، وبالفعل أسهمت هذه الحملات بشكل كبير فى زيادة الوعى بالقضية السكانية وتصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة حولها، فى وقت لم تكن وسائل التواصل الاجتماعى منتشرة كما هى الآن، فكان التلفزيون وحملاته من أهم مصادر التوعية بقضية الزيادة السكانية وضرورة تنظيم الأسرة.
وخلال فترة التسعينيات وبدايات الألفية الثالثة خفتت هذه الحملات لتعود مؤخرا من جديد، فى صورة عدد من الإعلانات ومنها حملة «اتنين كفاية وعلى القد مكسب بجد»، وإعلانات «أبو شنب» التى قام ببطولتها الفنان أكرم حسنى والتى تسلط الضوء على الأعباء الاقتصادية على الأسر بسبب زيادة النسل، والرد على فكرة السند والعزوة المنتشرة فى محافظات المرحلة الأولى المستهدفة من الحملة.
وبالتوازى قدمت الإذاعة عددا من البرامج للتوعية بخطورة الزيادة السكانية، ومنها البرنامج الإذاعى «دقيقة أسرية»، على شبكة القرآن الكريم، وبرنامج «الناس الطيبين» على راديو مصر.
وكان من أجمل وأفضل هذه الحملات الحملة المواكبة للمشروع القومى لتنمية الأسرة المصرية وتحسين جودة الحياة لكل المصريين الذى بدأ منذ عام 2021 ويستمر لمدة 3 سنوات حتى 2023، لمواجهة كل التحديات التى تقف ضد توفير حياة كريمة لكل المصريين، وكان من أبرز الإعلانات التى عبرت عن هذا المضمون إعلان «جينا الدنيا جينا» الذى قدمه عدد من الأطفال ليعبر عن كل المشكلات التى تواجه أطفالنا، ولاقى الإعلان نجاحا كبيرا.
لتصل محصلة هذه الأعمال والحملات إلى معظم الأسر فى مصر، ويصبح لدى أغلب المواطنين الحد الأدنى من المعرفة بخطورة الزيادة السكانية والمشكلات التى تسببها.