نظمت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، اليوم الثلاثاء، ملتقاها الحادي عشر تحت عنوان: "التأويلات الحداثية لنصوص الوحى وخطرها على الأمن المجتمعى"، وذلك فى رحاب الجامع الأزهر، بحضور الدكتور حسن الصغير، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، والدكتور عبد الفتاح العواري، عضو مجمع البحوث الإسلامية، والدكتور حسن وتد، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين، والدكتور خالد عبد العال، أستاذ العقيدة والفلسفة وعميد كلية أصول الدين فرع المنوفية، وعدد من قيادات الأزهر الشريف.
وفى افتتاح الملتقى قال الدكتور حسن الصغير، الأمين العام لهيئة كبار العلماء: إننا نعيش اليوم فى عصر العلم والتخصص الدقيق، موضحًا أن المنهجية المستقرة الآن في جميع العلوم التجريبية والإنسانية، حتى فى مجال الحرف والصناعات اليدوية؛ هي منهجية التخصص الدقيق التي تنطوي على المعرفة والمهارة، فلا يتحدث فى علم من العلوم إلا متخصص فيه؛ لافتًا إلى أنه من المفترض والمنطقي والمسلَّم به ألا يتحدث في الدين غير المتخصصين فيه؛ فالقرآن الكريم أدبنا بهذا الأدب في قوله تعالى: " وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِىٓ إِلَيْهِمْ فَسْـَٔلُوٓاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"، سورة النحل (43)، مشيرًا إلى أننا ابتلينا في هذا العصر بلاءً شديدًا يدخل علينا بيوتنا ويخترق آذاننا ممن يتحدثون في الدين بغير علم من تيارات حداثية تدعي التجديد، وتتلاعب بتأويل النصوص القرآنية والسنة النبوية تأويلًا عبثيّـًا، وتتسم كتاباتهم بالغموض الفكري والتضارب المنهجي؛ لتحقيق أغراض دنيويَّة بعيدة كلَّ البعد عن قواعد العلم الثابتة.
وبين الدكتور عبد الفتاح العوارى، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن رؤى ودعاوى التطور الحداثى لا تستند إلى منهج؛ بقدر ما هي تقليد أعمى لثقافة لا تتسق مع منهجية التأويل للنص المقدس، موضحًا أنها دعوة تحمل معها التشكيك في جهود السابقين من علماء الأمة، لافتًا إلى أنها رؤى غير منضبطة تفتح المجال لتعدد الأحكام وفق الهوى الشخصي؛ وليس وفق ضوابط منهجية، كما أنها تسعى إلى إذابة كل الضوابط الشرعية التي كانت سببـًا في رقي هذه الأمة ونهضتها، من خلال قراءة غيرة متزنة للنص، إضافة إلى خطورة التأويلات الفاسدة ومردودها السلبي على القيم وفتح الباب للاستهانة بالنص المقدس.
وأكد الدكتور خالد عبد العال، أستاذ العقيدة والفلسفة، أن قضية الحداثة ظهرت في ثوب فلسفي منذ أول ظهورها، وكان ارتباطها بالماديات، لكنه سرعان ما تسرب هذا المفهوم ليدخل في النصوص الأصولية، فاتهمت من يركن إلى التراث بالجمود والتقليد، ونادت بضرورة قراءة التراث قراءة عصريَّة، يُترك فيها المجال للعقل ليؤول النص كيفما يشاء، دون مراعاة لضوابط التأويل وفهم النص على وجهه الصحيح.
وفي ذات السياق أوضح الدكتور حسن وتد، أستاذ التفسير وعلوم القرآن، أن تيار الحداثة هو مذهب أدبي ونظريَّة فكريَّة تدعو إلى التمرد على الواقع والانقلاب على القديم الموروث بلا تحديد ولا تقييد، ترفض الماضي رفضًا باتًا، وتسعى إلى التشكيك في كل ثوابت الدين، مشيرًا إلى أن هذا يعد انحرافًا فكريًّا، وتضليلًا عقائديًّا، مبينًا أن القراءة الحداثية قراءة هادمة لكل قديم ساعية لكل جديد دون الالتزام بالقواعد والمناهج العلميَّة.