أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تقريراً حول التنافس العالمي على ريادة صناعة الرقائق الإلكترونية، حيث تمت الإشارة إلى أهمية صناعة الرقائق الإلكترونية والتي تُعد من العناصر المهمة التي تدخل في العديد من الصناعات المرتبطة بتحول الطاقة، كالسيارات الكهربائية والألواح الشمسية، وأيضاً بطاريات تخزين الكهرباء.
أوضح التقرير أنه بالرغم من التوقع بأن يصل إجمالي صناعة رقائق أشباه الموصلات العالمية إلى نحو 600 مليار دولار أمريكي مع نهاية عام 2022، إلا أنه رقم ضئيل مقارنة بعوائد قطاعات مثل الزراعة والنفط والغاز، التي تبلغ إيراداتها السنوية 10 تريليونات دولار أمريكي، و5 تريليونات دولار أمريكي على التوالي.
وقد عرف التقرير الرقائق الإلكترونية بأنها مجموعة من الدوائر الإلكترونية على قطعة مسطحة من السيليكون، يمكن من خلال هذه الرقاقة التحكم بعمل كمبيوتر السيارة أو أي تقنية فيها، مشيراً إلى أن أزمة الرقائق الإلكترونية قد ظهرت مع تفشي جائحة "كوفيد-19" بداية عام 2020؛ مما جعل العديد من دول العالم تدرك الحاجة إلى توسيع الإنتاج العالمي من هذه الرقائق، ففي عام 2021 التزم موردو الرقائق الإلكترونية العالميون بإنفاق نحو 146 مليار دولار، بزيادة نحو الثلث عن عام 2020.
وأبرز تقرير مركز المعلومات ملامح صناعة الرقائق الإلكترونية، حيث أوضح أهمية صناعتها، كونها تُستخدم أشباه الموصلات في مجموعة متنوعة من التطبيقات، من السيارات إلى الأدوات إلى الهواتف المحمولة، وأضاف أن مصانع تايوان تستحوذ على 65٪ من الإنتاج العالمي، وبالمقارنة تنتج الصين ما يزيد قليلًا على 5٪، بينما تنتج الولايات المتحدة نحو 10٪. وتعد كوريا الجنوبية، واليابان، وهولندا، المصادر الأخرى للمنتج الذي يقع في قلب العديد من الأجهزة والآلات الإلكترونية.
وعلى الرغم من أن الصين، والولايات المتحدة لا تتمتعان بالاستقلالية الكافية للحفاظ على سلسلة التوريد بأكملها، فإن الولايات المتحدة تتمتع حاليًا بميزة واضحة في القدرة التصنيعية، مقارنة بالصين، خاصًة في مجالات مثل، الملكية الفكرية، وتصميم الرقائق، والتصنيع. ومن ناحية أخرى، تعد الصين أهم مورد للمواد الخام مثل، السيليكون اللازم للتصنيع، وتساهم الصين بنحو 35% في صناعة أشباه الموصلات، وتليها الولايات المتحدة بنحو 19%.
وفي بداية عام 2022، حدد الاتحاد الأوروبي نطاق تشريعاته الخاصة لزيادة حصته من تصنيع أشباه الموصلات من 10٪ إلى 20٪ من الإجمالي العالمي بحلول عام 2030؛ ويهدف إلى تعزيز "السيادة الرقمية" من خلال دعم تطوير مرافق الإنتاج الجديدة، ودعم الشركات الناشئة وتطوير المهارات وبناء الشراكات، ومن المتوقع أن ينتج عن مرور هذا القانون ما بين 15 مليار يورو، و43 مليار يورو يتم استثمارها في هذا القطاع.
وأشار تقرير المركز إلى مدى تأثير جائحة "كوفيد-19" على هذا القطاع، حيث تأثرت صناعة السيارات والإلكترونيات سلبًا بسبب تداعيات الجائحة مع نقص في أشباه الموصلات؛ إذ أدى النقص في الرقائق خلال العامين الماضيين إلى ضياع الإيرادات بأكثر من 500 مليار دولار أمريكي في جميع أنحاء العالم بين صناعة أشباه الموصلات، مع خسارة مبيعات السيارات بأكثر من 210 مليارات دولار أمريكي في عام 2021 فقط، وخلال نفس العام تسابقت الشركات التايوانية لسد النقص الهائل في رقائق السيارات الناجم عن مضاعفات جائحة "كوفيد-19"، وعلى الرغم من أن تايوان تعتبر عاصمة أشباه الموصلات في العالم، فقد كافحت لإحداث بصمة كبيرة داخل سلسلة التوريد لمركبات محركات الاحتراق الداخلي، وأجبر نقص الرقائق شركات صناعة السيارات العالمية على كبح الإنتاج، لكن الفرصة أمام صانعي أشباه الموصلات في تايوان في سوق السيارات الكهربائية تكتسب السرعة، وذلك مع تحول شركات صناعة السيارات بشكل متزايد نحو المركبات الكهربائية، حيث تتطلب السيارات الآن مكونات إلكترونية أكثر من أي وقت مضى.
وعلى الرغم من تفاقم أزمة إمدادات الرقائق بسبب فيروس كورونا، إلا أنها أوضحت التحديات الأمنية والسياسية التي يمكن أن تواجهها الدول عندما تكون الموارد شحيحة، وعندما تكون مواقع إنتاج الرقائق الرئيسة هي بؤرة النزاعات الجيوسياسية، كما أظهرت الاختلالات الهائلة في السوق الناجمة عن جائحة "كوفيد-19" مدى تعرض صناعة أشباه الموصلات للأزمات، على عكس القطاعات الأخرى.
وعن تزايد الطلب على الرقائق الإلكترونية، مع ظهور جائحة كورونا ارتفع الطلب على رقائق السيليكون بسبب ظروف العمل الوبائية، حيث زاد المستهلكون من استخدامهم لأجهزة الكمبيوتر المحمولة وهواتف الجيل الخامس وأنظمة الألعاب ومعدات تكنولوجيا المعلومات الأخرى، وبحلول الربع الثالث من عام 2020، ارتفع الطلب على أشباه الموصلات؛ مما أدى إلى انتعاش الطلب على أجهزة الكمبيوتر الشخصية والأجهزة المحمولة والسيارات والاتصالات اللاسلكية، ويزداد الطلب، خاصة في ظل التحول نحو صناعة السيارات الكهربائية، والتي تتطلب المزيد من الحاجة إلى الرقائق؛ حيث تستخدم السيارة النموذجية التي تعمل بالبنزين ما بين 50 إلى 150 شريحة من أشباه الموصلات، ولكن يمكن للمركبة الكهربائية استخدام ما يصل إلى 3000 شريحة من أشباه الموصلات.
وأكد التقرير أن هناك صراع عالمي على صناعة الرقائق الإلكترونية، حيث تعد صناعة الرقائق أحد عناصر المنافسة على التفوق التكنولوجي، وأصبح العديد يتساءل هل تم تعيين أشباه الموصلات لتحل محل النفط والغاز كأهم الأصول الاستراتيجية للقوى العالمية؟، ويبدو أن الإجابة هي "نعم"، حيث إنها أصبحت مركزًا للصراع العالمي.
وبالنسبة للولايات المتحدة، تعد صناعة الرقائق الإلكترونية أمنًا قوميًّا، لأنها لا تستخدم فقط في الهواتف الذكية والاتصالات والسيارات وغيرها من المنتجات الاستهلاكية، بل هي عنصر أساسي في الكثير من الأسلحة المتطورة، على سبيل الذكر، طائرة F-35، وقد أدت أزمة نقص رقائق أشباه الموصلات، على إثر تداعيات جائحة "كوفيد-19" إلى تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي إلى 2% خلال الربع الثالث من عام 2021.
وأشار التقرير إلى تنافس الصين على الدور الريادي لصناعة الرقائق الإلكترونية، حيث تضم الصين أربعة لاعبين في صناعة أشباه الموصلات الصينية "الفريق الوطني، والفريق المحلي، وصناديق PEVC، والشركات متعددة الجنسيات" وجميعهم يساهمون في جعل الصين قوة عالمية رائدة في صناعة أشباه الموصلات، وأصبحت الصين موقعًا رئيسيًا لتطوير المنتجات الدولية والبحث والتطوير للعديد من مصنعي المعدات الأصلية لأشباه الموصلات.
وعلى الصعيد العالمي، أشار تقرير المركز إلى التركيز على تعزيز صناعة الرقائق في دول الأسواق الناشئة، حيث يقوم المستثمرون بتحويل مليارات الدولارات إلى الشركات الناشئة التي تصمم الرقائق، خاصة للتطبيقات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وفي عام 2021 حصلت هذه الشركات الناشئة على ما يقدر بنحو 9.9 مليارات دولار أمريكي من تمويل رأس المال الاستثماري، أي أكثر من ثلاثة أضعاف التمويل الإجمالي للشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي في عام 2020، وفي حين أن النقص العالمي في أشباه الموصلات قد شكل تهديدًا للعديد من الشركات العاملة في مجال تجميع وتصنيع الإلكترونيات، إلا أن هناك قطاعًا يزدهر في عدد من دول الأسواق الناشئة من بينها مصر؛ حيث شهد تصميم شرائح أشباه الموصلات آفاق نمو متزايدة، حيث تحاول شركات الإلكترونيات في الخارج ضمان أن يكون لديها مشهد أشباه موصلات قابل للتطبيق داخل الشركة أو من خلال الاستعانة بمصادر خارجية.
وأفاد المركز في نهاية التقرير إلى إظهار العديد من الدول اهتمامات واسعة بمجال صناعة الرقائق الإلكترونية، خاصة في ظل ظهور عدد من الأزمات العالمية والتي تضر بسلاسل توريد الأجهزة الإلكترونية؛ مما يجعل الدول تتكبد العديد من الخسائر؛ لذا، أطلقت الصين واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وتايوان، ومؤخرًا الاتحاد الأوروبي، خطط دعم بمليارات الدولارات لجذب مصنعي الرقائق الرائدين في العالم لإنشاء مواقع للإنتاج على أراضيها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة