أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، إصدارة جديدة تحت عنوان "الرمال السوداء.. ثروة وطنية تُعيد مصر اكتشافها" تناول من خلالها تعريف الرمال السوداء، وأهميتها الاقتصادية، والتطور التاريخي لاستثمارات الرمال السوداء في مصر، مع تسليط الضوء على الأرقام والحقائق المتعلقة بثروة مصر من الرمال السوداء، وأماكن وجودها، فضلًا عن جهود الدولة لاستغلالها الاستغلال الأمثل.
أشار التقرير إلى تعدد التعريفات التي تشير إلى مفهوم "الرمال السوداء" والتي تتفق في مجملها على أنها نوع من أنواع الرواسب الرملية التي تكونت منذ أزمنة جيولوجية سابقة نتيجة لعمليات نقل الرواسب الفُتاتية من الصخور والهضاب التي حملتها مياه النهر في رحلتها إلى منطقة المصب على السواحل الشمالية لجمهورية مصر العربية، ويتميز هذا النوع من الرمال باحتوائه على العديد من المعادن ذات الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية وتعود تسميتها بهذا الاسم لغلبة اللون الأسود عليها بسبب احتوائها على معدني "الماجنتيت" و"الإلمينيت" واللذين يمثلان المكونين الكبر لهذه النوعية من الرمال، كما يشار إلى الرمال السوداء باسم الرمال المُشعة لاحتوائها على بعض المعادن المشعة مثل معدني "المونازيت" و"الزركون".
وأوضح التقرير أن هناك اختلاف في نسبة تركيز المعادن الثقيلة في الرمال السوداء، فهناك نوع داكن اللون وهو الذي تتراوح نسبة المعادن الثقيلة به بين (70% و90%) وهناك نوع آخر رمادي اللون يحتوي على نسبة لا تتجاوز 40% من المعادن الثقيلة، وعلى الرغم من تعدد أنواع الرمال السوداء فإن أكثرها انتشاراً هي الرمال السوداء من المعادن البركانية والتي تنتشر –عالمياً- قبالة سواحل الجزر البركانية وأبرزها؛ جزر هاواي، والكناري، وجزر ألوتيان.
كما تضم هذه الأنواع من الرمال السوداء مجموعة من الصخور والمعادن أبرزها؛ صخور البازلت، والأنديسايت، والزجاج البركاني أسود اللون، كما تتسم هذه الرمال بأنها أثقل من الرمال العادية فاتحة اللون، كما أنها أكثر قابلية لامتصاص الحرار من ضوء الشمس، نظراً لارتفاع "أكاسيد الحديد" في مكوناتها، لاسيما "أكسيد الحديد الأسود" الذي يغطي السطح الخارجي لمعظم المعادن.
وعلى مستوى مصر، أشار مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار إلى أن الرمال السوداء تكونت فيها بفعل الرواسب الفتاتية التي نقلتها مياه نهر النيل من الصخور والهضاب بشرق ووسط إفريقيا –حيث منابع نهر النيل- إلى منطقة المصب قبالة سواحل مصر الشمالية؛ حيث تُلقي المياه بحمولتها من تلك الرواسب بموجب توقف سريان مياه النهر عند التقائه بمياه البحر المتوسط.
وأشار التقرير إلى الأهمية الاقتصادية للرمال السوداء والتي كان من أبرزها، دخول المعادن الاستراتيجية التي تحتوي عليها الرمال السوداء في العديد من الصناعات الاقتصادية مثل "الزركون، والمونازيت، والماجنتيت، والروتيل والألمنيت، والجارنت"، وفي إطار ذلك يمكن حصر عدد من الصناعات الاقتصادية البارزة والتي تدخل فيها الرمال السوداء وهي "صناعة هياكل الطائرات والسيارات والصواريخ والغواصات، والمركبات الفضائية، والأجهزة التعويضية، وصناعة أنابيب البترول، ومواد الإشعاع النووي، والعربات المصفحة والحربية، وقضبات السكك الحديدية، وصناعة السيراميك والبلاط، ومواد الصنفرة، والأرضيات عالية التقنية، وصناعة الكريستال والزجاج، والمعدات الرياضية ومستحضرات التجميل".
وتُعد شواطئ الرمال السوداء وجهة متميزة للسياحة العلاجية للأفراد حول العالم لما تشتمل عليه من معادن مهمة مثل الكبريت والماغنيسيوم والكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم، سواء بغرض الاستشفاء من بعض الأمراض أو بغرض الاستجمام والراحة، وقد أنشأت بالفعل بعض الدول منتجات للسياحة العلاجية على شواطئ الرمال السوداء لديها، تعظيماً للعوائد الاقتصادية التي تجنيها من هذا النوع من السياحة مثل "اليابان"، كما تعد الرمال السوداء بالغردقة وجهة متميزة للسياحة العلاجية بمصر نظرًا لقربها من مدينة سفاجا الغنية بالعناصر المشعة مما يُسهم في علاج العديد من الأمراض الجلدية وكذلك أمراض الروماتويد والروماتيزم.
وسلط تقرير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار الضوء على أكثر الدول العربية ثراءً بالرمال السوداء، مشيراً إلى أن مصر تُعد من أكثر الدول العربية ثراءً، حيث تنتشر الرمال السوداء بطول ساحلها الشمالي بداية من مدينة رشيد وحتى رفح بطول 400 كم، كما تمتلك مصر 11 موقع للرمال السوداء تتوافر بهم 8 أنواع من المعادن الثقيلة، كما أن العائد المتوقع لمصر من موقع واحد من هذه المواقع أكثر من 255 مليون جنيه سنوياً، كما يُقدر الاحتياطي الجيولوجي من الرمال السوداء في مصر بنحو 1.3 مليار متر مكعب، موزعين على أربع مناطق رئيسية في محافظات "البحيرة، ودمياط، وكفر الشيخ، وشمال سيناء".
واستعرض التقرير التطور التاريخي لاستثمارات الرمال السوداء في مصر، حيث ترجع إلى حقبة الثلاثينات من القرن الماضي ثم تبعها العديد من الجهود لتعزيز الاستثمارات فيها، كما تضمن استعراض لأماكن تواجد الرمال السوداء في مصر، والتي تنتشر بكميات كبيرة على سواحل مصر الشمالية المطلة على البحر المتوسط، إما على هيئة رواسب شاطئية، أو كسبان رملية ملاصقة للمنطقة الشاطئية، وتأتي هذه الرمال نتيجة اصطدام مياه النيل الحاملة لها بمياه البحر المتوسط عند المصبات، ثم انتشارها بطول الساحل بفعل التيارات البحرية والأمواج، من إدكو شمال محافظة البحيرة وتمتد إلى الشرق حتى مدينة العريش، والجدير بالذكر أن محافظة كفر الشيخ بها موقعان للرمال السوداء، الأول شرق البرلس بملاحة منيسي التابعة لقرية الشهابية على مساحة 80 فداناً، والثاني شمال الطريق الدولي غرب محطة توليد الكهرباء الضخمة في البرلس على مساحة 35 فداناً.
وقد أبرز التقرير جهود الدولة المصرية للاستفادة من الرمال السوداء، حيث صدَّق السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في عام 2019 على القانون "رقم 8 لعام 2018"، والذي من شأنه تفويض وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة للتعاقد مع هيئة المواد النووية والشركة المصرية للرمال السوداء؛ وذلك لاكتشاف وتعدين وتركيز المعادن الاقتصادية والمنتجات الثانوية التي يمكن استخراجها من الرمال السوداء ومن ثم استغلالها اقتصادياً في مختلف ربوع الجمهورية.
كما تم تدشين مصنع استخلاص معادن الرمال السوداء في رشيد بمحافظة البحيرة على مساحة 40 فدان، وتبلغ مساحة منطقة التكريك الخاصة به نحو 9 كيلومترات، وتم الانتهاء من المرحلة الأولى لوحدات استخلاص المعادن الاقتصادية من الرمال السوداء في يوليو 2019، وتشير التقديرات إلى أنه من المتوقع أن تصل إيرادات المشروع إلى ما يعادل ثلث دخل قناة السويس نظراً لمساهمته في قطاع التصدير، فضلًا عن توفيره فرص عمل، ومن المرجح أن تصل الطاقة الإنتاجية للمصنع عند الانتهاء من اكتماله في المراحل المقبلة لنحو 150 ألف طن سنوياً من المعادن المختلفة.
ومن أبرز جهود الدولة المصرية للاستفادة من الرمال السوداء افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي، مجمع مصانع الرمال السوداء بمدينة البرلس بمحافظة كفر الشيخ في 19 أكتوبر 2022، والذي يُعد ضمن سلسلة مشرعات قومية كبرى تهدف إلى استخلاص معادن الرمال السوداء، ومن أهم مميزات المشروع أنه يُعد الأحدث من نوعه على مستوى العالم باستخدام تكنولوجيا التعدين المتطورة، وتم تنفيذه على مساحة 35 فدان ويعتبر إضافة جديدة لسلسلة المشروعات القومية الكبرى التي تهدف إلى تعظيم الاستفادة والاستغلال الأمثل لموارد مصر الطبيعية، وتبلغ التكلفة الاستثمارية للمشروع 4 مليار جنيهاً، ومدة تنفيذ استغرقت 12 شهراً، ويهدف المشروع إلى إنشاء مجمعات صناعية جديدة وتحقيق عائد اقتصادي وتوفير العملات الأجنبية من خلال تصدير الفائض وتوفير 5000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، والبعد البيئي للمشروع هو تطهير الشواطئ من المواد المشعة الضارة.
وتطرق التقرير إلى نجاح مصر خلال عامي 2021 و2022 في استكشاف الرمال السوداء بمناطق جديدة وهي، "منطقة بورسعيد البردويل، ومنطقة شرق بركة غليون، ومنطقة غرب مدينة المنصورة الجديدة، بالإضافة إلى مواقع أخرى تطل على ساحل البحر الأحمر، ولا تزال هذه المناطق تخضع لمزيد من الدراسات الاستكشافية للتأكد من حجم الاحتياطات بها.
وتشير الدراسات إلى أن جهود الدولة لاستغلال الرمال السوداء يمكن أن تقود إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية هي: تحقيق عائد اقتصادي كبير لدعم التنمية الاقتصادية بمصر خاصة أن الرمال السوداء تستخدم في صناعات محل اهتمام عالمي حالياً مثل "صناعة أشباه الموصلات والمغناطيسات فائقة القدرة"، والحفاظ على البيئة من خلال خفض مخاطر التلوث الإشعاعي حيث إن إزالة الملايين من أطنان الرمال السوداء من على السواحل تعني إزالة بعض الجزئيات من المعادن المُشعة التي لها تأثير مضر على النظام البيولوجي البحري والإنساني، فضلاً عن إمكانية مساهمة مشروعات الرمال السوداء في تنمية المجتمع من خلال توفير فرص عمل لآلاف الشباب وتطوير البنية التحتية الحيوية بما في ذلك محطات الكهرباء والغاز والمياه في مناطق الاستكشاف وهو ما يعود بالنفع على تحسين الظروف المعيشية لأبناء المناطق التي تتم بها الاكتشافات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة