فى فبراير المقبل تكمل الحرب فى أوكرانيا عامها الأول، مع استمرار تداعيات وانعكاسات الأزمة على الاقتصاد العالمى بدرجات متفاوتة، تظهر هذه التداعيات فى استمرار ارتفاعات الأسعار والتضخم، بجانب انعكاسات قرارات رفع الفائدة من البنك الفيدرالى الأمريكى على باقى أنظمة الفائدة فى دول العالم المرتبطة اقتصاديا بالدولار، وهى أزمة لا يمكن إخفاؤها أو إنكار تأثيراتها فى أسواق وإمدادات الغاز والطاقة، والمزيد من الركود وارتفاعات الأسعار تنعكس فى أزمات طاقة، وتظاهرات فى أوروبا، وسط حديث عن الترشيد أو إجراءات التقشف، وخفض الدعم، فى محاولة لكبح جماح أزمة مركبة، تغيب عنها سيناريوهات التوقع، وتضخم لم تواجهه الدول الكبرى منذ الحرب العالمية الثانية، حيث يواجه الاقتصاد العالمى سوء حظ مزدوجا، فلم تنته تأثيرات كورونا، حتى بدأت الحرب الروسية الأوكرانية بتداعياتها الواضحة، التى تتطلب الكثير من الصبر والدقة فى التعامل معها.
الأزمة التى وصفت بأزمة «عدم اليقين» لا يمكن إخفاؤها أو تجاهلها، وتستلزم اتخاذ إجراءات لتقليل آثارها، انتظارا للحظات يمكن فيها المرور من الأزمة، الأمر لا يتعلق بإخفاء أو تبرير، بل محاولة فهم ومشاركة، تضاعف من القدرة على الفعل، واستعادة التوازن، مع استمرار التنمية ورفع النمو، والتماسك بعيدا عن التهويل أو التهوين، ونقول هذا بناء على آراء خبراء تتنوع من دون إنكار لأزمة عالمية، وبالتأكيد فإن ارتفاعات الأسعار تطال الجميع بدرجات متفاوتة، مثلما تفعل مع الدول، ولا يمكن التقليل من هذه التأثيرات على اقتصاديات الأفراد والأسر.
الأزمة ليست خافية، ولا توجد فيها مفاجآت، ونقول هذا بمناسبة ما يجرى من نقاش على المنصات والمواقع، أو يدور بمناسبة تقرير جديد لصندوق النقد الدولى، حول الاتفاق مع مصر، حيث جاء تقرير أو مؤتمر الصندوق مطابقا لما هو معلن من خلال الدولة والحكومة، من حيث توقعات التحسن والاستثمارات، والمدى الزمنى الذى يتوقع خلاله تحسن فى الاقتصاد، مع التأكيد على حق الحكومة فى استمرار إجراءات اجتماعية والحفاظ على أسعار الخبز والمواد الأساسية لملايين الأسر، أو التدخل لموازنة سوق الصرف.
وبالتأكيد فإن «توصيف الأزمة وتشخيصها والتخطيط والإخلاص هى السبيل للتعامل مع الأزمة وعبورها»، وليس الدعوة للاستسلام أو التراجع، فالأزمة تتطلب علاجا ومواجهة، يمكن النقاش حولها، وأكثر من يدلون بآرائهم يمكن أن يراجعوا توقعاتهم السابقة، ليكتشفوا أن كل التفاصيل متوقعة وأن ما يعتبرونه مفاجآت هو من ضمن توقعاتهم.
وبالتالى فإننا فى ظل استمرار حالة «عدم اليقين» عالميا، لا بديل عن التوسع فى برامج الحماية الاجتماعية، وهو أمر مستمر ومطروح سواء من قبل الحكومة لمساندة الفئات الأكثر احتياجا، أو خلال مؤتمر التحالف الأهلى، حيث تمت دعوة التحالف لمضاعفة الجهد فى توسيع دوائر الخدمات، واستمرار دعم الصناعات التى تلبى احتياجات السوق، وتضاعف التصدير، وتخفض الاستيراد، وتخلق فرص عمل، مع مضاعفة الرقابة على السوق، لفرض أسعار عادلة، من خلال إلزام التجار بوضع الأسعار واضحة، ومواجهة الاحتكارات والتلاعب، وهو دور تقوم به أجهزة الحكومة مع الغرف التجارية والصناعية.
وخلال المؤتمر الاقتصادى أكدت الحكومة قدرة الدولة على سداد التزاماتها، ودعم مشاركة القطاع الخاص، من خلال توسيع قاعدة الملكية بالتركيز على التخارج من خلال تبنى الطرح بالبورصة كأولوية، وتليها زيادة رأس المال، من خلال دخول مستثمر استراتيجى، وتعزيز دور صندوق مصر السيادى وتحديد فترات زمنية للموافقة على الطلبات المقدمة من المستثمرين، بحيث يعتبر تأخر رد الجهة موافقة ضمنية لبدء مزاولة النشاط، والإسراع فى صرف دعم الصادرات للقطاعات المستحقة للدعم، بمجرد التقدم بالمستندات الدالة.
وتعهدت الحكومة بالبدء فى تنفيذ هذه التوصيات، ومنذ إعلان الاتفاق بين مصر وصندوق النقد الدولى، أصدرت الحكومة وثيقة تحاول الإجابة عن الأسئلة المطروحة فيما يتعلق بالاتفاق الذى يهدف إلى زيادة معدلات النمو الاقتصادى، وتشجيع الاستثمارات، وتحفيز مستويات التصدير، وخلق المزيد من فرص العمل، ومواجهة تأثير التداعيات السلبية للأزمات التى أثرت فى الاقتصاد العالمى.
بالطبع هناك فروق فى حجم وشكل كل اقتصاد، وظروف كل دولة، والقلق مشروع ومقدر، لكن تصدير اليأس والإحباط لا يقدم حلا، بل إنه عدوى لا تفيد، خاصة أنها تقدم أحيانا اقتراحات أو حلولا مطبقة بالفعل، أو أنها تتعامل من زاوية واحدة، وبالتالى يمكن الاختلاف فى التفاصيل، من دون الاختلاف على أن العالم يواجه أزمة مركبة، تغيب عنها سيناريوهات التوقع.