أعطت سيدة الغناء العربى أم كلثوم، الموسيقار أحمد صدقى كلمات قصيدة «أغار من نسمة الجنوب» كلمات أحمد رامى لتلحينها، وبعد أن انتهى منها طلبت منه تعديلات على بعض الجمل اللحنية، لكنه رفض، فأعطت الكلمات لرياض السنباطى ليلحنها «قدمتها فى حفل عام 1957» حسبما يذكر الكاتب والناقد الفنى أحمد السماحى فى مقاله «أحمد صدقى عاشق الأوتار ومكتشف العباقرة، موقع شهريار، 5 أكتوبر 2020».
لم تفكر أم كلثوم فى إسناد «أغار من نسمة الجنوب» إلى أحمد صدقى من فراغ، فألحانه التى قدمها حتى وقتئذ كانت تؤكد أننا أمام «أحد عباقرة الجيل الثانى للموسيقى العربية، ومن بين قلائل من كبار الموسيقيين الذين ظلوا متمسكين بنفسهم الشرقى الأصيل، ولم يقتربوا فى أى لحن من ألحانهم من الموسيقى الأوروبية لا الكلاسيكى منها ولا الخفيف»، وفقا لتقدير الناقد الموسيقى اللبنانى إلياس سحاب فى «جريدة الخليج، 2 سبتمبر، 2016»، أما الجيل الأول الذى جاء بعد سيد درويش فكان، محمد القصبجى، وزكريا أحمد، ومحمد عبدالوهاب، ورياض السنباطى.
ووفقا للناقد الموسيقى السفير ياسر علوى، فى «جريدة الشروق، 26 يوليو 2020»: «كان صدقى، أحد أضلاع مثلث العباقرة مع العظيمين محمود الشريف ومحمد فوزى، الذين لم تستهوهم المطولات الغنائية، وظُلموا كثيرا بفعل إخلاصهم للون الطقطوقة القصيرة التى رأوا أن باستطاعتهم أن يكتفوا من خلالها بكل ما يريدون قوله».
وحين توفى مساء 14 يناير، مثل هذا اليوم، 1987، بعد أسبوع من الغيبوبة، قال عنه الموسيقار محمد عبدالوهاب فى جريدة الأهرام يوم 15 يناير: «كان أحمد صدقى مؤمنا بأنه لا تطور من غير أن يطلع أى فنان على التراث القديم ليكون قاعدة له على أى تحرك تقدمى، ولذلك اعتنى بالضرورات مختلفة الأوزان فى الموسيقى العربية، وكذلك النغمات المختلفة العديدة فى الموسيقى العربية، ولكنه لم يتقيد بالأداء القديم تقيدا تاما بل خرج عنه قليلا، هو قيمة تراثية كبيرة فى الأسس الموسيقية العربية لا نجدها فى غيره وأمثاله الذين يؤمنون بما يؤمن، إن ماقدمه من جمال الألحان لا تزال وستظل فى أذن ووجدان المستمع».
هو المولود يوم 4 أكتوبر 1916 فى «العياط» بمحافظة الجيزة، وخريج مدرسة الفنون التطبيقية عام 1935 وتعلم فيها أصول فن النحت، والتحق بمعهد الموسيقى عام 1933، وتخرج فيه عام 1937 وتعلم فن المقامات على يد أستاذه درويش الحريرى، يذكر «السماحى»: «عمل صدقى مهندسا فى قطاع الآثار بترشيح من الدكتور سليم حسن، صديق والده، وكان يلقنه كل يوم خمسة أحرف هيروغليفية لرسمها، وقادته الصدفة إلى أن يلحن ويغنى برنامجا إذاعيا عن «وفاء النيل» عند الفراعنة، وقدم أربعة أعمال هى «عروس النيل، ونشيد الفرعون، ولحن السرور»، وأغنية ريفية بعنوان «شلبية»، ونجح البرنامج، واعتمد صدقى ملحنا ومغنيا فى الإذاعة يوم 23 ديسمبر 1939.
ترك الغناء وتفرغ للتلحين من عام 1942 إلى جانب عمله فى الآثار، وتوالت إبداعاته التى اعتمدت على الصف الثانى فى عصر عبدالوهاب وأم كلثوم وأسمهان، مثل، نجاة على، وشهرزاد، وحورية حسن، وعصمت عبدالعليم، وسعاد مكاوى، وعبدالغنى السيد، وشادية، وفتحية أحمد التى قدم لها «قلوب الورد عاشقة، الآهات، وسلمى»، وقدم لليلى مراد «ريداك والنبى ريداك، باحب اتنين سوا، شفت منام، م القلب للقلب رسول»، ولنجاة على «عش الهوى المهجور، وفاكراك ومش حانساك»، ولسعاد محمد «من غير حب، آسيت ولا حد آسى»، وقدم لمحمد رشدى فى بداياته إحدى روائعه «شال الهوى شالك»، ولصباح «يا واد ياساكن حينا»، ولنجاة الصغيرة «أنا ذكرى»، و«طاير ياحمام».
وقدم لكارم محمود «أمجاد يا عرب أمجاد» التى كانت إذاعة صوت العرب تفتتح وتختتم بها برامجها، وشجرة الحرية، ومعركة التحرير، ويا حلو ناديلى، أما محمد قنديل فقدم له روائع منها، «سماح» بشجنها الذى يطبطب على النفس الجريحة، و«رمش الغزال يانا» بتدفقها الذى يخطف القلب، و«ع الدوار» التى تلم الناس فى زمن كان يحتاج إلى هذه اللمة.
إلى جانب إبداعاته فى ألحان الغناء الفردى، كان إسهاماته رائدة فى الألوان الموسيقية الأخرى، ووفقا لأحمد السماحى: «كان أكثر ملحنى عصره تلحينا للأوبريت الغنائى والصورة الغنائية الإذاعية فى عصر الغناء الذهبى، من أهمها «عوف الأصيل»، و«رواية»، و«قطر الندى»، و «سوق بلدنا»، و «أمة الجهاد»، ومحمد نور النبى»، و«كلمة واحدة»، و«ياليل ياعين»، و«فى بساتين الفن والأدب»، و«مجالس الأدب»، كما قدم للإذاعة واحدا من أهم أعمالها على الإطلاق وهو برنامج «الأغانى للأصفهانى»، وفى مجال المسرح الغنائى قدم أوبريت «ليلة من ألف ليلة» و«البيرق النبوى، و«زبانية جهنم»، و«ياليل ياعين» و«الناى المسحور»، وقدم للسينما موسيقى 120 فيلما، واخترع سبعة إيقاعات جديدة فى الموسيقى الشرقية سماها بأسماء أولاده، مثل «الأشرف»، «الشريف»، «السماح»، «المكمل»، «المحمدى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة