في عام 1984 توجه مجموعة من النساء الإيطاليات إلي متجر لبيع المواد الغذائية، ليسطين عليه احتجاجاً منهن على جشع التجار في غلاء الأسعار، وعدم قدرتهن على تدبر أبسط أمور العيش، وهنا التقط الكاتب الإيطالي الحاصل علي جائزة نوبل تلك القصة وحولها لعمل مسرحي اختار له عنوان "لا تدفع الحساب".
نقل الفنان السوري الكبير أيمن زيدان تلك المسرحية من الواقع الإيطالي إلي الواقع العربي ببراعة، فمن يشاهد العرض دون معرفة مسبقة بمؤلفه لن يتوقع مطلقا أن كاتبه إيطالي وواقعه في ميلانو ، ولكن حفاظ معد النص على الأسماء الإيطالية للشخصيات والأماكن، حتي لو كان هروبا من تبعات رقابية، إلا أنه لم يبدو مقنعاً بالنسبة لي وكان الأولي تعريب الأسماء والأماكن أو التخلي عن الزمان والمكان واستخدام اسماء شخصيات عربية .
شاهدت " سوبر ماركت " بمهرجان المسرح العربي في دورته الثالثة عشرة بالدار البيضاء بمسرح (مولاي رشيد ) وسط تفاعل جماهيري وضحكات وتصفيق ناله الممثلون في نهاية العرض مكافأة لهم علي ما قدموه من أداء كوميدي في عرض يحمل رؤية بصرية وفنية جديدة ومعاصرة، وبممثلين شباب يمثلون جيل جديد في الوسط الفني السوري .
مسرحية: سوبرماركت، المأخوذة عن النص الإيطالي: لا تدفع الحساب، لـ داريوفو، ترجمة نبيل الحفار، إنتاج المسرح القومي والنص كتبه النجم أيمن زيدان مع محمود الجعفري، والمسرحية بالمناسبة تقدم للمرة الثالثة منذ 29 سنة وحتى الآن، فقد إفتتحت عام 1992 مع الفنان زيدان كاتباً ومخرجاً وممثلاً، وفي المرة الثانية عام 2008 ، أما نسخة الـ 2023 فتقدم من خلال مهرجان المسرح العربي بدون أيمن زيدان ويقدم دوره نحله حازم زيدان مع الفنانين قصي قدسية، حسام سلامة، خوشناف ظاظا، ، سالي أحمد، لمى بدور.
المسرحية ترصد عملية سرقة سوبر ماركت بسبب الغلاء الفاحش للأسعار، وإستنفار الجهات الأمنية على نطاق واسع لرد المسروقات بأي طريقة، من خلال بعض المفارقات وكوميديا الموقف، وكثير من القفشات الضاحكة التي اعتمد عليها الممثلون، مثل اكتشاف المسروقات أنها أكل كلاب وقطط أو حمل كل نساء المدينة في توقيت واحد بسبب تخبئة الطعام داخل ملابسهن ، والافيه الشهير في المسرحية المتعلق بشدة السيفون.
كوميديا الموقف هي المسيطرة علي العمل منذ بدايته وحتي النهاية، ويقدمها مخرج العرض دون أي اسفاف أو ركاكة، والحركة التي رسمها علي خشبة المسرح تحمل الكثير من الانسيابية والسلاسة والبساطة ، ويدخل المخرج مشاهدي العمل داخل القصة ليتفاعلوا معها ومع مفارقاتها .
اعتمد العمل علي ديكور منزل ( جيوفاني وزوجته ) فهو الديكور الاساسي في العمل المسرحي ، ويحمل الديكور شكلا رمزيا وواقعيا في نفس الوقت ، فهو أثاث منزل لأسرة متوسطة لكن بعض القطع بها شكل رمزي مثل الحمام مثلا الذي يكون مكانا لتفجير ضحكات مع صوت السيفون والدولاب الذي يتسع لجثة الضابط ولصندوق نقل الموتي ، والديكور مقسم لثلاثة مستويات بين ممرات خلفية وبيت وشارع، لكن ظلت هذه المستويات متداخلة وغير منفصلة تماماً بعضها عن بعض، وذلك ربما في إشارة إخراجية إلى انفتاح الشارع والمواطنين الغاضبين علي حالهم ومعيشتهم .
اهم ما يميز العرض المسرحي (سوبر ماركت ) خفة ظل الممثلين الذين اتخذوا شكل المهرجين في الملاحم الكوميدية الإغريقية، وكانت خفة الحركة ورشاقتها التي رسمها المخرج علي خشبة المسرح من عوامل الايقاع السريع التي لم تحدث اي مللا خلال مدة العرض ، ويتميز وسط الممثلين الفنان خوشناف ظاظا في أدوار المسؤول والشرطي والمرأة الحامل، فهو يمتلك حس كوميدي وحضور وقدرة علي التلوين في الأداء، وللحق فقد نجح زيدان في إدارة الممثلين وتمكينهم من السيطرة على أدواتهم، وزيادة خبراتهم في التقاط اللحظة الساخنة مع الجمهور.
أخيرا .. عنصر المتعة أوصل العرض بسهولة إلى الجمهور، واعتمد على أدوات مختلفة كالحلول الإخراجية البارعة، والأداء التمثيلي العفوي، وسرعة الإيقاع، وهذا العرض قريب الشبه من العروض التي كان يقدمها الفنان السوري الكبير دريد لحام والتي يخرج فيها الكوميديا من تأزم المواقف، وتناول هموم الفقراء وأزماتهم بشكل كويدي ينتمي لنوع الكوميديا السوداء، والنجم أيمن زيدان يسير بشكل عصري علي نفس درب دريد لحام في المسرح الكوميدي السياسي .