لا يدهشنى يوما إصرار الفضائيات الإقليمية والعربية وحتى بعض القنوات الغربية على تخصيص ترددات وقنوات ومنصات لدولة بحجم مصر، ولم أتعجب من قرارهم باقتران اسم المحطة بكلمة مصر، فتعرف الفضائية الكبرى باسمين أولهما عام والثانى مرتبط بمصر، لم أندهش، لأنه ببساطة شديدة يدرك صناع القرار فى هذه الفضائيات الأجنبية حجم دولة مصر، واستحالة تجاهل الأحداث فى الشأن الداخلى بها، وأن هذه الأحداث تهم كل شعوب العالم ويتابعها الملايين شرقا وغربا، ويعلم أيضا صناع القرار فى هذه الفضائيات أن القرار فى مصر يؤثر على كثيرين، وأن الحدث فى مصر يتابعه ملايين، وأن كلمة مصر فى أى مجال وأى مناسبة ينتظرها الملايين، فلو أردنا الحكم على هذه الحالة سنقول إنها حالة إيجابية تؤكد عظمة وحجم دولة مصر.
لكن ما يدهشنى حقا هو إصرار بعض هذه الفضائيات على التشويش والتشويه ورسم صورة لمصر من خلال تناول مرسوم للأحداث أو الاقتصار على زاوية أو التركيز على نمط وكأنه السائد، وأنا هنا لا أتحدث عن وسيلة إعلامية واحدة، بل عن الكثير من الوسائل التى تتعمد أن تشوه وتطمس، فنرى أخبارا كاذبة فى بعض الأحيان، وفى أحيان أخرى لا نرى سوى أخبار الجريمة، وكأن مصر لا تشهد سواها، ومرات أخرى نرى التركيز على سلوكيات سلبية فردية، وكأنها الشائع فى شوارع مصر، وتارة أخرى نرى برامج للسيدات تدعوها للخنوع والتدنى، تشوه صورتها وتركز على الجانب المتعلق بالبيت والمطبخ، وكأن السيدات فى مصر لم يتقدمن خطوات للأمام، وكأن هذه الفضائيات تتعمد رسم كل هذه الصورة لتبث فى قلب كل سائح ينوى زيارة مصر خوفا بسبب ما يتابعه من حوادث على هذه الفضائيات، وكأنها تريد أن تنزع ثقة أى مستثمر ينوى أن يقيم مشروعا فى مصر بسبب ما يسمعه من تحليلات سلبية عن مصر عبر هذه الفضائيات، وكأنها تريد أن تطمس ما شهدته مصر من تطور وتنمية خلال السنوات الصعبة الماضية.
ما يدهشنى أكثر من كل هذا هو هذا النمط من برامج النساء، والذى لا نراه سوى على النسخة المقترن اسمها باسم مصر، وكأن السيدات فى مصر انحصرت أدوارهن فى المطبخ، فتطل علينا المذيعات يتحدثن عن المصرية «التى تترك الفوطة المبلولة على السرير حتى تكمكم، والأخرى التى تستيقظ فى الثانية عصرا وكأنها «بطة بلدى» - بحسب تعبير المذيعة - وتشويه تشويه، بينما لا يمكن أن ترى هذا المحتوى فى برامجهم التى تتحدث عن النساء فى مجتمعاتهم، على العكس تماما، ترى احتفاء بكل منجز تقوم به المرأة، وترى نماذج متحققة وناجحة لسيدات يستطعن إثبات جدارتهن فى مجالات مختلفة، وكأن مصر ما زالت تعيش الجاهلية مع النساء بينما تقدمت النساء فى مجتمعاتهم.
لكن لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ولأنهم يمكرون ويمكر الله، فتجد أن المصريات يتصدرن هذه البرامج التى تقدم نماذج ناجحة للسيدات، فلو تابعت البرامج المختلفة المختصة بالنساء فى القنوات «العامة» لهذه الفضائيات ستجد على الأقل سبع نساء من أصل عشر من ضيوفهن «مصرية» نجحت واجتهدت وتحققت، سواء بطلة رياضية أو عالمة أو أستاذة جامعية أو نجمة سينمائية، حتى عندما حاولوا الخروج من هذا المأزق واستضافة نماذج لسيدات عربيات هاجرن من بلادهن والعمل فى دول الغرب كانت النسبة الأكبر للمصريات اللاتى نجحن فى مئات المجالات، وهو ما يثلج الصدور ويؤكد أن لمصر قدرا كتبه الله، وهو أن تكون دولة كبيرة وتظل دولة كبيرة، يحاول العدو والحبيب أيضا أن ينتقص من قيمتها وأن يشوهها وأن يخطف منها مجدا حققته أو دورا تمارسه أو قيمة تمنحها، لكن مصر تأبى وتظل كبيرة رغم كل شىء ودون جهد، فما صنعته بالأمس وما تصنعه اليوم وما تخطط لصنعه بالغد أكبر من كل هذه المحاولات، وما يمنحها الله من قوة وعزة وحماية وحده كفيل بكل هذه المحاولات.