افتتح فضيلة الدكتور شوقى علام -مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم- اليوم دورة المقبلين على الزواج التى تنظِّمها دار الإفتاء المصرية للمرة الأولى فى محافظة الإسكندرية.
وعبَّر فضيلة المفتى عن سعادته بافتتاح هذه الدَّورة الهامَّة لأبنائنا وبناتنا المقبلين على الزواج؛ أى على تكوين الأسرة التى وصفها الله تعالى بأنها آية للمتدبرين المتفكرين المتأملين؛ لما فيها من أسرار ربَّانية تحقِّق السَّكن والسكينة والمودة والرحمة، واستمرار النوع الإنساني، داخل محضن آمن مستقر؛ ألا وهى الأسرة التى أُسست على التقوى وعلى كلمة الله وعلى كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أن خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً أن فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
وأكَّد فضيلتُه أن من أهم الثوابت التى يقوم عليها عمل ونشاط دار الإفتاء المصرية، خاصَّة فى مجال الإرشاد الأسرى هو بناء الوعى الكامل بأهمية الأسرة ومكانتها باعتبار أن الأسرة هى اللَّبِنَة وهى النواة الأساس المكوِّنة للمجتمع، وبقدر ما يتحقق لها من تأسيس صحيح يحقق السكينة والاستقرار بقدر ما ينعكس ذلك تقدمًا وأمنًا وسلمًا على المجتمع وعلى الوطن بشكل عام.
وقال فضيلة المفتي: "إنَّ دار الإفتاء المصرية أخذت على عاتقها منذ سنوات وضع تصوُّر علمى شامل لإرشاد أبنائنا وبناتنا المقبلين على الزواج إلى كيفية تحقيق أفضل النماذج الأسرية المستوحاة من تعاليم الشريعة الإسلامية السمحة ومن ممارسة وأخلاق نبيِّنا الأكرم صلى الله عليه وسلم".
وأضاف أن الدار كذلك أقامت العديد من الدورات المتخصصة فى مجال العلاقات الأسرية، وفن إدارة العلاقات الأسرية من خلال المرجعية الشرعية والمعارف والعلوم الاجتماعية التى تراعى مستجدات الحياة المعاصرة، بواسطة ثلَّة من العلماء من ذوى الكفاءة العالية والخبرة الواسعة فى هذا المجال، وقد مثَّل ذلك النشاط علامة فارقة فى تاريخ دار الإفتاء المصرية ودَورها المجتمعي، وأثمر ذلك أثرًا محمودًا فى حياة أبنائنا الذين استفادوا من نشاط الإرشاد الأسرى بدار الإفتاء المصرية.
وتابع فضيلته: "ونحن إذ نبدأ على بركة الله تعالى هذه الدَّورة التأهيلية للمقبلين على الزواج نهدُف إلى تسليح شبابنا من الجنسين بالخلفية المعرفية الإسلامية الصحيحة، والمهارات اللازمة لتكوين الأسرة وبداية حياة زوجية مستقرة سعيدة وناجحة، بعيدة عن القلق والخلاف والتفكك والضياع الذى تعانى منه بعض الأسر التى لم تجد بصيصًا من نور النصيحة والإرشاد الذى يجنِّب أُسرَنا وأبناءنا تلك المخاطر.
وأشار إلى أن هذه الدورة تهدُف أيضًا إلى كيفية تقوية هذا الميثاق الغليظ الذى وضعه الله سبحانه لاستمرار عمارة الأرض والحفاظ على الجنس البشري، وذلك من خلال وضع التصور الصحيح لعلاقة الزواج، والالتزام بالتعاليم الإسلامية والقيم الأخلاقية القائمة على المودة والتسامح والاحترام والقدرة على تحمل المسئولية وتجاوز الصعوبات والمشكلات لتكوين أسرة سعيدة صالحة قادرة على تجاوز عقبات الحياة.
وأكَّد مفتى الجمهورية أن بناء الوعى لدى الإنسان من أهم عناصر تكوين الشخصية المستنيرة المستقيمة، ويتأكَّد ذلك الأمر عند الحديث عن الزواج وبناء الأسرة، فبناء الوعى الأسرى الصحيح، وبيان الكيفية الصحيحة لتقوية الروابط الأسرية مسئولية كبيرة يترتَّب عليها إصلاح المجتمعات واستقرارها وأمنها.
ولفت فضيلته النظر إلى أننا نواجه فى هذا العصر على المستوى العالمى والمحلى ظهور بعض المشكلات والأمراض الاجتماعية، والظواهر والقيم المرذولة التى تهدِّد قيام الأسرة وتقوِّض نجاح العلاقة الزوجية التى أراد الله تعالى أن تؤسَّس على البر والتقوى والمودة والرحمة، ومن هنا فدار الإفتاء المصرية تعمل على نشر الوعى الصحيح للمحافظة على كيان الأسرة واستقرارها والحد من ظاهرة انتشار الطلاق، خاصة فى السنوات الأولى للزواج.
وأوضح فضيلة المفتى أن التصور الصحيح لحدوث ذلك الأمر يأتى من الرؤية الكلية التى تُعنى بجميع الجوانب ولا تهمل أى عنصر من عناصر قيام الأسر ونجاح الزواج، فنحن ندرك أن الأسرة هى نواة المجتمع، وهى المكون الأساسى له، وهى الرافد الشرعى الذى يمدُّ الوطن بأبناء صالحين يحبون أسرَهم وأوطانهم وينتمون إلى الوطن بأوثق وأقوى الروابط، ويبذلون وُسعهم من أجل حمايته والحفاظ عليه والنهوض به إلى مستقبل مشرق، وإنما تُبنى الأوطان بسواعد أبنائها المحبين المنتمين لها .
وأضاف أن دار الإفتاء قد نظرت من خلال جهود المتخصصين إلى أسباب التفكك الأسرى وانتشار ظاهرة الطلاق وفشل علاقات الزواج وانهياره، وقامت بدراسة ذلك كله لوضع التصور للحلول الصحيحة الناجحة، مشيرًا إلى أن بلادنا قد تعرضت إلى انتشار أفكار متطرفة مغلوطة عن مكانة المرأة وعن دورها وعن العلاقة الزوجية وأسس بنائها، وشاعت أفكار خاطئة حول تمحور علاقة الزوجية حول مسألة الحق والواجب فقط، وتم إهمال أهم الجوانب الإنسانية التى قامت عليها الأسرة والتى وضعها الله سبحانه وتعالى، وهى السكن والمودَّة والرحمة. نعم، لا شك فى أهمية معرفة الحق والواجب لدى كل طرف، ولكن قبل ذلك وأثناء ذلك وبعد ذلك يجب أن يغلف ذلك كله بالحب والمودة والإنسانية، التى تدفع الطرفين إلى العطاء اللا محدود، بل والانصهار الكامل من أجل استمرار هذا الكيان العظيم الذى سُقى بماء المحبة والمودة والرحمة.
وأوضح مفتى الجمهورية أن الهدف الذى تعمل الدار على تحقيقه من خلال هذه الدورات العلمية التدريبية هو بناء الوعى اللازم لقيام الأسرة ونجاح الزواج واستمراره، وكيفية تجاوز العقبات الحياتية وتفعيل مفاهيم هذا الوعى بين أبناء الوطن من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وأدوات التواصل الاجتماعي، التى نجحت دار الإفتاء فى تحويلها إلى منابر لنشر الفكر الصحيح على كافة المستويات، ومحاربة صور الانحراف والتطرف والتشدد، والتصدى للفتاوى المنحرفة التى تعمل على الحطِّ من كرامة المرأة وتشوية صورة العلاقة الزوجية وتنسب ذلك لديننا الإسلامي، ونحن ننظر فى ذلك كله إلى المثال الأسمى، وهو نبينا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم القائل: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".
وأكَّد أن الدار تعمل كذلك على الالتزام بالأسلوب العلمى لمعالجة الظواهر المجتمعية والمشكلات التى تهدِّد بنيان الأسرة، فلا نتبنَّى أسلوب الوعظ الخالى من الحلول الصحيحة، بل نضم إليه الاستعانة بأهل الاختصاص الطبى والنفسى والمجتمعى والفكرى لتكوين فريق عمل متكامل يعمل على وضع التصورات الصحيحة لتنمية الوعى الأسري، وعلاج المشكلات والحد منها ومنع أسبابها، والعمل على التعريف بالأحكام الفقهية الخاصة بالزواج والطلاق لدى قطاع المأذونين، والعمل على تثقيفهم وعقد الدورات التدريبية لهم بما يؤهِّلهم للإصلاح بين الأزواج، فهُم من أهمِّ أدوات نشر الوعى وعلاج المشكلات الخاصة بالأسرة.
وأشار إلى أن مثل هذه المراكز والدورات هى دليل على نجاح منهج دار الإفتاء المصرية القائم على عدم الانفصال عن واقع المجتمع المصري، ونحن نأمل أن تسهم هذه الدورات التدريبية وما يماثلها من دورات أخرى فى تكوين الوعى الصحيح لدى شبابنا المقبلين على الزواج، والذين يقع على عاتقهم نشر ذلك الوعى بين أُسرهم وأهلهم وأصدقائهم، حتى يتم تفعيله بين أبناء المجتمع المصري، وهذه خطوة يتبعها -بإذن الله- خطوات، ونموذج تتبعه نماذج سوف نعمل على تكرارها وانتشارها فى جميع ربوع مصرنا الغالية.