السيجارة الأخيرة قصة قصيرة لـ أحمد عبد اللطيف سلام

الأحد، 22 يناير 2023 04:59 م
السيجارة الأخيرة قصة قصيرة لـ أحمد عبد اللطيف سلام أحمد عبد اللطيف سلام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
( 1 )
 
كنت لها رفيقًا، وكانت لي رفيقة، فلا يراني الناس إلا بصحبتها، حتى اعتادوا على رؤيتنا سويًا، فأطلق زملائي في العمل لقب "محمد أبو سيجارة"، كنت أُدخن بشراهة منقطعة النظير، حتى ظن زملائي أني أُدخن وأنا نائم، أو على الأقل أنام وهي في حضني.
 
( 2 )
 
التقيت بها أول مرة وأنا في الإعدادية، فأحد زملائي استوقفني أثناء الفسحة، ومد يده بها، فترددت أول الأمر، وعندما أخذتها أشار لي أن أضعها في جيبي بسرعة. 
 
عدت إلى البيت وأنا أضع يدي في جيبي، أُمسك بها وكأنها كنز ثمين أخاف عليه من الضياع، فهل كانت كنزًا ثمينًا حقًا؟  
 
ارتجفت أصابعي حين أغلقت باب الغرفة، وزاد ارتجافها حينما أمسكت بالسيجارة، وضعتها في فمي بصعوبة، وأشعلت عود الثقاب، تلفّت حولي مع علمي أني وحدي في الغرفة، أشعلت السيجارة فاشتعلت النار في صدري، جريت ناحية النافذة وألقيت السيجارة بعدما داهمني السعال، لم أستطع التنفس وحسبت أن روحي ستفارق جسدي.
 
حاولت أن أتمالك نفسي ولكن صدري أخذ يعلو ويهبط، حاولت أن اتنفس بعمق، فعاودني السعال مرة أخرى، وحينما توقف السعال ارتميت على السرير، ونمت نومًا عميقًا، وبالرغم ما حدث في أول لقاء بيننا إلا أننا تصالحنا، ولم يقدر أحدنا أن يفارق صاحبه بعد ذلك.   
 
(3)
 
دأبت أمي على مطالبتي بالزواج لترى أحفادها يمرحون حولها قبل موتها، فهي تعتقد أني مضربًا عن الزواج وقد تجاوزت الثلاثين، في الحقيقة، لم أكن مضربًا عن الزواج، ولكنني من أنصار اختيار الرجل لشريكة حياته بنفسه، ولما فشلت في العثور على هذه الشريكة المزعومة؛ رضخت لإرادة أمي، وقبلت الذهاب معها هي وأبي لمشاهدة فتاة اختارتها لي، عددت أوصافها ومزاياها، وهي لا تدري أني لم أسمع شيئًا مما قالت.
 
(4)
 
جاء اليوم الموعود، ووجدتُ أمي تطلب مني أن أتعجّل، فلم يتبقى سوى ساعة على الموعد، أطفأت السيجارة قبل أن أُكملها، وخرجت لأجد أبي وأمي في انتظاري. 
 
ذهبنا لرؤية العروس والاتفاق على موعد للخطبة في حالة الموافقة، بعد الاستقبال بحفاوة حضرت العروس حاملة صينية العصير، وجلست بالقرب مني بعد أن أدارتها بيننا، مضت ساعة لم أنبث فيها بكلمة، ولا أدري فيما كانوا يتحدثون، انتبهت على العروس تسألني سؤال، ترددت في الإجابة لثواني مرت كساعات، تبادلت النظر مع أبي وأمي ثم أجبتها بالنفي على سؤالها: هل تُدخن؟ 
 
كذبت، واللهِ كذبت، ولا أدري لماذا كذبت، وأنا الحريص على أن أكون الصادق دائمًا، وإن كلفني ذلك الكثير، فهل خشيت أن تضيع مني؟ 
 
لم تكتمل الخطبة لأسباب عدة، كان على رأسها هذه الكذبة، والتي اكتشفتها العروس من نظراتي المتبادلة مع أبي وأمي، قبل وبعد الإجابة على سؤالها.
 
عدت إلى البيت وقد انتابني شعور بالضيق، لا لفشلي في إتمام الخطبة - فلم أذهب إلّا لإرضاء أمي - ولكن بسبب هذه الكذبة اللعينة، بقيت على هذه الحالة أكثر من ساعتين أعاتب نفسي، حتى طارد النوم عيني فنمت.
 
( 5 )
 
تناولت الإفطار على عجل، وأمي تحاول أن تخفف عني وقع ما حدث بالأمس، وهي لا تدري أني قد نسيت الأمر كله، ودّعتها وأبي وانصرفت إلى العمل.
 
وقفت على الرصيف في انتظار الحافلة، كان يقف بجواري رجل ما لبث أن أشعل سيجارة، فاشتعلت نفسي شوقًا إليها، مددت يدي في جيبي، فلم أجد علبة السجائر، لقد نسيتها في البدلة التي كنت أرتديها بالأمس، هل أعود إلى البيت؟ أم أطلب من هذا الرجل سيجارة، وأبذل ماء وجهي مقابلها؟، أم.. جاءت الحافلة؛ فتوقف الصراع الدائر في رأسي فصعدت. 
 
جلست، فجلس الرجل الذي كان يُدخن منذ قليل بجواري، مد يده ليناول المُحصل الأجرة؛ فشممت رائحة سيئة انبعثت من ملابسه، أحسبها رائحة السجائر، فتعجبت من قدرتي على شمّها، هل هذا لأني لم أُدخن منذ الأمس؟ 
 
(6)
 
وصلت الشركة فاستقبلني زملائي استقبال الفاتحين، فهم لم يعلموا بفشل خطبتي، وحينما أخبرتهم أخذوا في مواساتي، وأن الأمر قسمة ونصيب، كنت مقطب الجبين فحسبوا أني متضايق من فشل الخطبة، ولكنني في الحقيقة كنت حزين على نفسي.
 
مد أحدهم يده بسيجارة قائلًا: ﻻ تهتم، ستجد من هي أفضل منها، وستندم غدًا على تركها لك، وقبل أن يُكمل كلامه وجدتني أقول له: شكرًا، لقد تركت التدخين.
 
ساد الصمت لثواني، تبادل فيها زملائي النظرات فيما بينهم قبل أن يصرخوا في وقت واحد: هكذا دون مقدمات؟ أومأت برأسي وأنا غير مُصدق ما قلته، فأنا لم أدخن منذ الأمس لأنني نسيت أن أُدخن ليس إلا، فهل خشيت أن أعود في كلامي فيستصغروني؟
 
(7)
مضى أكثر من عام تركت فيه التدخين، بل وساعدت العديد من زملائي على ترك هذه العادة اللعينة، وكان السؤال الذي يتردد في ذهني بين الحين والآخر، ماذا كان سيحدث لو وافقت العروس؟
 
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة