فى الوقت الذى يجتمع فيه رموز من مختلف أنحاء العالم فى منتدى الاقتصاد العالمى بدافوس، كان هناك دولة واحدة غائبة بشكل ملحوظ، وإن كان غيابها غير مفاجئ.
وتقول صحيفة واشنطن بوست، إن رمزية غياب موسكو عن دافوس واضحة، فقد جعل غزو أوكرانيا الرئيس الروسى فلاديمير بوتين وحلفاؤه غير مرغوب بهم بين تلك النخبة العالمية المجتمعة فى المدينة السويسرية. وتم فرض عقوبات هائلة على روسيا وفرضت عليها قيود تصدير تسعى لقطعها عن الاقتصاد العالمى، واستخدم نوع من القوة المنهجية لتقييد جهود كرملين فى الحرب ومعاقبة حلفاء بوتين. لكن الصحيفة تتساءل عما إذا كانت هذه العقووبات قد نجحت بالفعل فى تحقيق الهدف منها.
وقالت واشنطن بوست، إنه بعيد عن المجتمعين فى دافوس، استخدم بوتين بيانات حكومية جديدة لرسم صورة وردية بشكل مثير للدهشة للاقتصاد الروسى. وقال الرئيس الروسى إن الديناميكيات الفعلية للاقتصاد قد جاءت أفضل مما توقع الكثير من الخبراء.
واستشهد الرئيس الروسى، ببيانات وزارة التنمية الاقتصادية، وقال إن إجمالى الناتج المحلى لروسيا قد تراجع بين يناير ونوفمبر 2022، لكن بمقدار 2.1% فقط. وأشار إلى أن بعض الخبراء الروس، ناهيك عن الأجانب، توقعوا تراجعا بقيمة 10 و 15 وحتى 20%.
وأشارت الحسابات الأولية إلى أن الاقتصاد الروسى انكمش بمقدار 2.5% على مدار عام 2022، بحسب ما قال بوتين، وهو أفضل بكثير من انكماش اقتصاد أوكرانيا العام الماضى الذى جاء بنسبة 33%.
وتذهب الصحيفة إلى القول بأن هذه الأرقام محيرة للكثيرين خارج روسيا، فقد كان حجم الهجوم الاقتصادى الموجه إلى موسكو منذ 24 فبراير الماضى غير مسبوق بالنسبة لدولة كبيرة، مع منع بنوكها من نظام سوفت الخاص بالمعاملات المالية الدولية وفرض عقوبات على البنك المركزى.
لكن يبدو أن البيانات الروسية تشير إلى أن حجم التأثير كان أقل حدة مما توقعه الكثيرون. فعلى الرغم من أن بوتين قد لا يكون فى دافوس، إلا أن روسيا ليس معزولة تماما عن العالم. فقد ارتفاع ميزان الحساب الجارى لموسكو، وهو سجل لتجارتها مع باقى العالم، خلال العام الماضى بطريقة والتى كان من شانها أن تعنى عاما من الازدهار لولا ظروف الحرب.
ورغم التشكيك فى هذه البيانات، إلا أن واشنطن بوست تقول إن الكثيرين ممن يعيشون فى روسيا أو زاروها أشاروا إلى أن الحياة استمرت بشكل شبه عادى، حتى وإن كانت سلسلة ماكدونالدز قد أغلقت لتحل محلها سلسلة مطاعم برجر محلية، وبعد أن أصبح شراء المنتجات الغربية الفخمة يتطلب شبكة من المشترين الأجانب.
وفى مقال لموقع The Conversation، قال ألكسندر تيتون المحاضر الروسى فى جامعة كوينز بلفاست، إن لو أن هذه أزمة لورسيا، فإنها لا تشبه الاضطراب الذى حدث فى أول التسعينيات عندما كانت الدولة والاقتصاد والمجمتع ينهارون جميعا فى نفس الوقت.
وأضاف، كان هناك تعطيل، لكنه كان بسيطا مقارنة حتى بما كان عليه الوضع فى بداية وباء كورونا، لا يوجد نقص فى السلع، حتى البضائع الغربية مثل الويسكى، وأرفف المتاجر ممتلئة.
وتقول واشنطن بوست إن هذا لا يعنى أن العقوبات لم تنجح، لكن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك. وتابعت قائلة إن العقوبات الغربية وقيود الصادرات لا تهدف بشكل أساسى إلى إبعاد السلع الغربية الفاخرة عن أرفف المتاجر، ولكن هدفها تقويض جهود الحرب الروسية فى أوكرانيا.
وصحيح أن الكثير من الأعباء المرتبطة بالعقوبات قد فشلت بسبب صادرات روسيا الهائلة من الطاقة، وهذا هو سبب الأرقام الإيجابية. لكن فى حين أن بوتين حاول استخدام الطاقة للضغط على أوروبا ومعاقبتها. فإن قوة هذا السلاح قد تضاءلت، ويبدو أن تحديد سقف جديد لأسعار النفط والغاز الذى سيدخل حيز التنفيذ قريبا سيعيق كزيد من الصادرات الروسية.
وكان فلاديمير ميلوف نائب وزير الطاقة الروسي السابق الذي يعيش الآن في الخارج ، قد قال فى تصريحات مؤخرا لصحيفة وول ستريت جورنال، إن روسيا لا تزال قوة فى مجال الطاقة لكن دورها تغير بشكل كبير. وأوضح أن بلاده سيكون لها حصة سوقية أقل في النفط والغاز وستجني أرباحًا أقل، كما أنها فقدت بعض نفوذها فى مجال السياسة الدولية. ويعنى هذا تراجل دخل الدولة الروسية فى المستقبل، لاسيما مع ارتفاع النفقات بسبب الحرب فى أوكرانيا.