ظلت المومياء الذهبية محفوظة ببدروم المتحف المصري بالقاهرة لأكثر من قرن من الزمان، وكشف عنها أثناء الدراسة العلمية والتي نشرت في مجلة Frontiers in Medicine في 4 يناير2023 للدكتورة سحر سليم أستاذ ورئيس قسم الأشعة بكلية الطب جامعة القاهرة بمصر.
مومياء-الصبى-الذهبى
في عام 1916، تم العثور على المومياء ملفوفة بالكامل في مقبرة من العصر البطلمي (حوالي 300 ق.م.) بإدفو – بجنوب مصر و نقلت إلي بدروم المتحف المصري بالقاهرة حيث تم تخزينها بدون فحص لأكثر من قرن من الزمان، إلي أن فحصت مؤخرا من قبل د. سحر سليم المتخصصة في أشعة الآثار المومياء لأول مرة بإستخدام الأشعة المقطعية من خلال الجهاز الموجود بحديقة المتحف المصري. حيث تمكنت بإستخدام الأشعة المتقدمة وبرامج الكمبيوتر الحديثة وكذلك الطباعة ثلاثية الأبعاد من الكشف بشكل آمن عن هوية المومياء بعد أكثر من ألفي عام واتضح أنها لصبي توفي في عمر 14 الى 15 عامًا. وأظهرت نتائح الدراسة أسرار عديدة، حيث تبين أن المومياء تم تحنيطها علي مستوي عال للغاية وإتقان كبير، تم إزالة المخ من خلال فتحة الأنف وتم وضع الحشوات والراتنجات بداخل تجويف الجمجمة. ومن خلال شق صغير أسفل البطن تم إزالة الأحشاء ووضع الحشوات والراتنجات بداخل الجسم. بينما حرص المحنطون علي الإبقاء علي القلب الذي تم رؤيته في صور الأشعة بداخل تجويف الصدر كرمز روحي شديد الأهمية حسب المعتقدات المصرية القديمة. ويرتدي الصبي قناعًا ذهبيًا وتظهر الأشعة أيضًا ما تحت اللفائف من صدرية يرتديها الصبي مصنوعة من الكارتوناج ويرتدي صندلًا من النسيج.
الأشعة-السينية-ومومياء-الصبى-الذهبى
الدكتورة-سحر-سليم-مع-مومياء-الصبى-الذهبى
ما كشفته صور الأشعة المقطعية ثنائية الأبعاد، والأشعة ثلاثية الأبعاد عن وجود عدد 49 تميمة مرتبة ترتيبًا منمقًا في ثلاث أعندة بين طيات اللفائف الكتانية وبداخل تجويف المومياء. وأظهرت الأشعة عدد 21 شكلًا مختلفًا للتمائم مثل: عين المعبود حورس والجعران وتميمة الأفق والمشيمة وعقدة إيزيس والريشتان، وغيرهم. ومن نتائج قياسات الأشعة تبين أن عدد 30 تميمة قد صنعت من الذهب بينما بقية التمائم صنعت من الأحجار أو الفيانس. حرص المحنطون علي وضع التمائم لحماية الجسد وإعطاءه الحيوية في العالم الآخر، وقد وضعت تميمة علي شكل لسان من الذهب بداخل فم المتوفي ليتمكن من التكلم في العالم الآخر، ووضعت تميمة علي شكل أصبعين أسفل الجذع لحماية فتحة التحنيط. كما وجدت تميمة كبيرة من الذهب لجعران القلب موجودةقبر بداخل تجويف صدر المومياء، وقد تمكنت الدارسة د. سحر سليم بإستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد لعمل مستنسخ لجعران القلب السابق ذكره. كما كشفت الدراسة عن وجه الصبي لأول مرة بعد أكثر من 2300 عام بعد إزالة اللفائف بشكل إفتراضي بتقنية الأشعة المقطعية. حيث أتاحت الدراسة فرصة فريدة لأكتشاف أسرار تحنيط المومياء دون المساس باللفائف، وكما تركها المحنطون.
أسفر التعاون المثمر بين خبيرة أشعة الآثار الدكتورة سحر سليم وعالمي الآثار بالمتحف المصري، و الأثرية صباح عبد الرازق مدير عام المتحف المصرى بالتحرير، محمود الحلوجي، من إلقاء الضوء علي الحياة الإجتماعية في مصر القديمة منذ آلاف السنين، فأعطت الدراسة فهمًا عميقًا لمعتقداتهم وطقوسهم الجنائزية، وبراعتهم التقنية في التحنيط والحرفية في صياغة التمائم وعمل الأقنعة والزخارف.
كما أشارت الدراسة إلي نتيجة مهمة تدل علي تقدير قدماء المصريين للأطفال، وهو ما أثبتته هذه المومياءوما أختص لها من طقوس جنائزية مميزة تمكنهم من البعث والحياة الأخري حسب معتقدات المصريين القدماء. وأظهرت نتائج الدراسة المكانة الإجتماعية الرفيعة لصاحب المومياء "وهو صبي حظي بطقوس جنائزية عالية المقام، بجانب حالته الصحية حيث كان يتمتع بأسنان وعظام سليمة، بلا علامات تدل علي أمراض أو أعراض سوء تغذية".
ساعد استخدام التكنولوجيا والتقنيات الحديثة في التصوير الطبي بالأشعة ثلاثية الأبعاد في تقديم رؤية قيمة للمومياء، مما دعم قرار إدارة المتحف المصري بالقاهرة لإنتقال المومياء من بدروم المتحف ويتم عرضها داخل قاعات العرض بالمتحف، ولقبت بـ "مومياء الصبي الذهبي". وتساهم عرض صور الأشعة المقطعية بجانب المومياء في عرض متحفي مميز يمنح زوار المتحف تجربة فريدة تدعم تواصلهم مع الحضارة المصرية القديمة.