علاقات تاريخية جمعت مصر والهند، وتجدد دمائها.. زيارة استثنائية يجريها الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى نيوديلهي بدعوة من رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ليكون الضيف الرئيسي في عيد الجمهورية الرابع والسبعين للهند، وليدشن البلدين مرحلة جديدة من تعاون تبلورت ملامحه في عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر ورئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو اللذان أسسا حركة عدم الانحياز، في زمن كان يعاني استقطاباً حاداً ما بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية ، وعصراً كان في أشد الحاجة لوجود "التيار الثالث".. وهو ما تفرضه حالياً، وبعد عقود طويلة ، ضرورات الحرب الأوكرانية التي طال نيران مدافعها اقتصاديات الكبار والصغار ، وخيم غبارها علي أسواق المال العالمية.
ويرافق الرئيس السيسي خلال الزيارة وفد رفيع المستوي، وهي الزيارة الثالثة حيث سبق للرئيس السيسي أن زار الهند في شهر أكتوبر 2015 للمشاركة في قمة منتدى الهند وأفريقيا الثالثة، وقام في شهر سبتمبر 2016 بزيارة دولة إلى الهند مرة ثانية.
وتعد هذه المرة الأولى التي تتم فيها دعوة رئيس جمهورية مصر العربية، للمشاركة كضيف رئيسي في عيد الجمهورية، في الوقت الذى تحتفل فيه الهند ومصر هذا العام بمرور 75 عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، كما تمت دعوة مصر "كبلد ضيف" خلال رئاسة الهند لمجموعة العشرين خلال عام 2022-2023.
وتتمتع الهند ومصر بعلاقات صداقة ودية تقوم على أساس الروابط الحضارية والثقافية والاقتصادية والعلاقات عميقة الجذور بين الشعبين، مستندة على القيم الثقافية المشتركة والالتزام بتعزيز النمو الاقتصادي والتعاون في مجالات الأمن والتقارب بشأن القضايا الإقليمية والعالمية، كما يعمل البلدان بشكل وثيق في المنتديات الدولية ومتعددة الأطراف.
ولم يكن التعاون بين الهند ومصر متمثلًا فقط في صداقة استثنائية بين الرئيس جمال عبد الناصر ورئيس الوزراء جواهر لال نهرو، أدت إلى ابرام معاهدة بين البلدين في عام 1955 وتأسيس حركة عدم الانحياز، لكن استمر في عهد الرئيس السيسى ومودى، حيث تعد مصر حاليًا واحدة من أهم الشركاء التجاريين للهند بقارة أفريقيا، وثالث أكبر سوق تصدير لمصر عام 2021، كما تعد الهند سادس أكبر شريك تجاري لمصر في عام 2021، والشركات الهندية من أكبر المستثمرين الأجانب في مصر، وتوسعت التجارة الثنائية بين البلدين خلال العام 2021/2022، وحققت رقما قياسيا بلغ 7.26 مليار دولار في السنة المالية 2021-2022، وتمثل قيمة صادرات الهند إلى مصر 3.74 مليار دولار وتمثل قيمة واردات الهند من مصر 3.52 مليون دولار، وتقوم أكثر من 50 شركة هندية باستثمار حوالي 3.15 مليار دولار أمريكي في قطاعات متنوعة من الاقتصاد المصري ، بما في ذلك المواد الكيميائية والطاقة والمنسوجات والملابس والأعمال الزراعية وتجارة التجزئة.
وتوفر هذه الشركات بصفة عامة فرص عمل مباشرة لما يقرب من 38000 مصري، وتخطط العديد من هذه الشركات لتوسيع استثماراتها بضخ استثمارات تراكمية تصل إلى 800 مليون دولار أمريكي. كما أبدت العديد من الشركات الهندية اهتمامًا بتطوير مشروعات الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء في مصر، ووقعت 3 شركات هندية رائدة مذكرات تفاهم مع الحكومة المصرية بقيمة 18 مليار دولار أمريكي.
وبهدف تعزيز التجارة، قامت سفارة الهند بالقاهرة أيضًا بتنشيط الآليات المؤسسية وعقدت اجتماعات الدورة الخامسة "للجنة التجارية الهندية المصرية المشتركة " و الدورة الخامسة "لمجلس الأعمال المشترك " في يوليو 2022، ونتيجة لهذه الجهود ، شارك أكثر من 14 وفدًا تجاريًا يمثلون حوالي 600 شركة هندية بزيارة مصر منذ منتصف عام 2021.
وفي أثناء تفشي جائحة كوفيد -19 ، أجرى رئيس الوزراء مودي والرئيس السيسي مكالمات هاتفية وأعربا عن تضامنهما مع بعضهما بعضا في مكافحة الجائحة من خلال توثيق التعاون المتبادل. وقامت مصر بشراء 50000 جرعة من لقاحات Covid-19 "صنعت في الهند في أوائل عام 2021 بينما قامت الهند بشراء 300000 جرعة من عقار ريميديسفير لمحاربة الموجة الثانية من جائحة كوفيد في الهند في مايو 2021.
كما شهدت الأشهر القليلة الماضية زيارات متعددة رفيعة المستوى من الهند إلى مصر ، بدءًا من زيارة وزير الدفاع الهندي راجناث سينج في سبتمبر 2022، وزيارة وزير الشؤون الخارجية الدكتور إس جايشانكار في أكتوبر 2022 وزيارة وزير البيئة بوبندر ياداف في نوفمبر 2022، وقد جرت خلال هذه الزيارات مناقشات موضوعية على مستويات مختلفة.
وفي 16/10/2022 استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، وزير خارجية الهند سوبرامنیام جایشانکار، بحضور سامح شكري وزير الخارجية، والسفير الهندي بالقاهرة أجيت جوبتيه، حيث نقل وزير الخارجية الهندي رسالة من رئيس وزراء الهند للرئيس السيسي.
وتطرق اللقاء حينها إلى سبل تعزيز أطر التعاون الثنائي بين البلدين في عدد من المجالات بما يتسق مع مكانة وإمكانات الدولتين ويلبي طموحات شعبيهما الصديقين، خاصةً على صعيد التصنيع المشترك وتبادل الخبرات في المجال العسكري، فضلاً عن تبادل السلع الاستراتيجية بين البلدين، إلى جانب التعاون في مجال التعليم التكنولوجي، بالإضافة إلى تعزيز نشاط الشركات الهندية في الاستثمار في مصر، كما تم استعراض آخر المستجدات بالنسبة للأوضاع ذات الاهتمام المشترك على الصعيدين الدولي والإقليمي، خاصةً ما يتعلق بتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على قطاعات الطاقة والغذاء والاقتصاد .
وفي 5/12/2022 تلبية لدعوة الحكومة الهندية لمصر للمشاركة في اجتماعات وقمة مجموعة العشرين شارك السفير راجي الإتربي، ممثل رئيس الجمهورية لدى مجموعة العشرين، ومساعد وزير الخارجية للشئون الاقتصادية متعددة الأطراف الدولية والإقليمية، في الاجتماع الأول لممثلي قادة الدول والحكومات، بمدينة "أودايبور" الهندية لوضع خارطة طريق لاجتماعات المجموعة خلال فترة الرئاسة الهندية .
يذكر أن رئيس وزراء الهند نارنيدرا مودي استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسى في سبتمبر 2016 استقبل وأكد الرئيس السيسي حرص مصر على تطوير التعاون مع الهند فى جميع المجالات، كما أشاد بالانجازات التنموية التى حققتها الهند، مؤكداً على تطلع مصر للاستفادة من التجربة الهندية فى العديد من المجالات التى حققت فيها تقدماً ملحوظاً، فيما أشاد رئيس الوزراء الهندي بحكمة ودور القيادة السياسية المصرية وما حققته من انجازات على مدار العامين الماضيين على صعيد ترسيخ أمن واستقرار مصر، فضلاً عن المشروعات العملاقة التى دشنتها، ولاسيما مشروع تنمية منطقة قناة السويس الذى يوفر فرصاً واعدة للاستثمار يتطلع الجانب الهندي للاستفادة منها.
كما أشار "نارنيدرا مودي" إلى الدور القيادي والمحوري لمصر في أفريقيا والعالم العربي، مشيراً إلى أنها تمثل منارة للاعتدال، ومشيداً بدورها التاريخي فى الدفاع عن قضايا الدول النامية.
كما أكد رئيس وزراء الهند حرص بلاده على البناء على الارث التاريخي والحضاري الذي يربط بين الشعبين المصري والهندي، والعمل على الارتقاء بالتعاون الثنائي مع مصر في كافة المجالات، مؤكداً على أهمية التحضير الجيد لاجتماع اللجنة المشتركة بين البلدين المقرر عقدها قريباً لتفعيل أطر التعاون فى مختلف المجالات، تناولت المباحثات سُبل تعزيز التعاون الثنائي في العديد من المجالات، من بينها تطوير التعاون الأمني والعسكري، تطرقت المباحثات إلى سبل تعزيز التواصل الشعبى والثقافي، حيث نوه الرئيس السيسي إلى أهمية تنشيط الحركة السياحية، أشار رئيس الوزراء الهندي إلى أن الكثير من مواطني الهند يتطلعون لزيارة مصر والتعرف على حضارتها العريقة، مؤكداً على وجود آفاق كبيرة للتعاون فى مجال السياحة.