شراكة تحكمها التحديات الإقليمية والعالمية ، وتعاون ممتد جمع الولايات المتحدة الأمريكية مع مصر منذ عقود مجسداً تفاهم عنوانه ضبط الإيقاع في الشرق الأوسط ، ومضمونه ادراكاً متبادلاً لضرورة الإبقاء علي جسور الثقة علي اختلاف الإدارات داخل البيت الأبيض ، وتباين المحطات الفاصلة في تاريخ الدولة المصرية الحديثة ، وهو ما برهنته الزيارة الحالية لوزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن والتي التقي خلالها الرئيس عبدالفتاح السيسي ووزير الخارجية سامح شكري وعدد من المسئولين المصريين.
وهيمنت علي سلسلة لقاءات بلينكن في مصر عدد من القضايا الملحة على الساحة العالمية وبالأخص على الساحة العربية، حيث تأتي الزيارة ضمن جولة تشمل إسرائيل والضفة الغربية بالتزامن مع تصعيد بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى وسط مخاوف من تفاقم الوضع واندلاع موجة جديدة من العنف.
ومع مرور العالم بتحديات جيوسياسية مستمرة منذ أكثر من عامين بدأت بتردى الوضع الاقتصادى إثر وباء كورونا ثم اندلاع حرب فى أوكرانيا، تسعى الدول إلى تعزيز التفاهمات فيما بينها وتبادل الرؤى لتجاوز آثار هذه التحديات وكذلك لتجنب المزيد من الأزمات.
القاهرة .. كلمة السر في حفظ السلام ودعم القضية الفلسطيينية
ويبدو أن زيارة وزير الخارجية الأمريكى إلى مصر كمحطة أولى فى رحلته للمنطقة، تعكس حرص الإدارة الأمريكية للتعاون مع مصر فى ملف القضية الفلسطينية المشتعل والذى ينذر بمزيد من الاشتعال لاسيما مع وجود بنيامين نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية وتعهده الأحد خلال اجتماع لمجلس الوزراء، بتبنى مجموعة من الإجراءات رداً على هجوم القدس، تهدف إلى إظهار أن الإسرائيليين "هنا ليبقوا"، على حد تعبيره.
ومع وصول بلينكن إلى الأراضى المصرية، عكف على تأكيد مدى "استراتيجية" العلاقات الثنائية مع مصر، وكرر الرسائل التى حملها قبله بأيام ويليام بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، الذى نقل تحيات الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى. وأكد أهمية وقوة العلاقات المصرية الأمريكية، مع تطلع واشنطن خلال الفترة القادمة لتطوير علاقات التعاون والشراكة مع مصر التى تعتبر مركز ثقل منطقة الشرق الأوسط ودعامة الأمن والاستقرار به بقيادة الرئيس لاسيما في هذه المرحلة الدقيقة التي تشهد أزمات دولية وإقليمية.
ومع زيادة التوتر في الأراضي الفلسطينية، تعزز هذه الزيارات دور مصر ويعيطها اعترافا قويا وصريحا أنها دولة محورية وتعمل للسلام، على حد تعبير السفير محمد العرابي، وزير الخارجية الأسبق فى تصريحات تلفزيونية، فقبل أقل من 6 أشهر، وتحديداً في أغسطس الماضي نجحت الدولة المصرية في إقرار وقف إطلاق النار فى قطاع غزة شهر أغسطس الماضى بعد اتصالات مكثفة مع حركة الجهاد الإسلامى والجانب الإسرائيلى، وتكللت التحركات المصرية بالنجاح فى وقف نزيف الدم فى غزة، وذلك وسط حالة من الترحيب الشعبى والرسمى فى الأراضى الفلسطينية.
وقدم الرئيس الأمريكي جو بايدن، حينها الشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي، على الجهود المصرية المبذولة لوقف التصعيد في غزة بين إسرائيل وحركة المقاومة الفلسطينية، وقال بايدن: أشكر الرئيس المصري السيسى للمساعدة في وقف إطلاق النار في قطاع غزة"، مرحبا بالجهود المصرية للتوسط لاستعادة الهدوء.
شراكة متنوعة .. واحتفاء أمريكي رسمي بالزيارة
زيارة بلينكن إلى مصر ، حظيت باحتفاء من الخارجية الأمريكية حيث أكدت في تقرير لها اعتزاز واشنطن بالعلاقات مع مصر والتى بلغ عمرها قرن من الزمن العام الماضي، وأكدت على الصداقة والتعاون والشراكة المستمرة بين البلدين فى العديد من المجالات.
وقال بيان الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة تقف مع مصر والشعب المصرى لتعزيز الأمن الإقليمى، وتعزيز المرونة الاقتصادية، وتعزيز العلاقات بين الشعبين، ومعالجة أزمة المناخ، وتعزيز شراكة دفاعية حاسمة، ودعم المصريين فى سعيهم لمستقبل مزدهر للجميع.
وتأكيدا على دور مصر المهم فى الشرق الأوسط كلاعب أساسى وركيزة للاستقرار، قالت الخارجية الأمريكية أن " الولايات المتحدة ومصر تتعاونان بشكل وثيق لتهدئة النزاعات وتعزيز السلام المستدام، بما فى ذلك من خلال دعم وساطة الأمم المتحدة لتمكين الانتخابات فى ليبيا فى أقرب وقت ممكن واستعادة انتقال بقيادة مدنية فى السودان من خلال الاتفاق السياسى الإطارى".
وأكد البيان " الولايات المتحدة ومصر تشتركان فى التزام لا يتزعزع بحل الدولتين المتفاوض عليه باعتباره السبيل الوحيد لحل دائم للصراع الإسرائيلى الفلسطينى وتدابير متساوية للأمن والازدهار والكرامة للإسرائيليين والفلسطينيين. كما أن الولايات المتحدة منخرطة مع مصر، وكذلك السودان وإثيوبيا، لتقديم قرار دبلوماسى سريع بشأن سد النهضة الإثيوبى الكبير الذى يحمى مصالح الأطراف الثلاثة".
وأكدت الولايات المتحدة على التزامها بتعزيز التعاون الاقتصادي الثنائي من أجل المنفعة المتبادلة للشعبين، بما في ذلك من خلال توسيع نطاق التجارة وزيادة استثمارات القطاع الخاص، والتعاون في الطاقة النظيفة وتكنولوجيا المناخ.
وكشف آخر بيان حول العلاقات الاقتصادية من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن ارتفاع قيمة الاستثمارات الأمريكية في مصر لتسجل 9.2 مليار دولار خلال العام المالي 2020/2021 مقابل 7.7 مليار دولار خلال العام المالي 2019 /2020 بنسبة ارتفاع قدرها 19.8%.
وتعكس هذه الزيادة اكتساب العلاقات الاقتصادية لقوة دافعة ، لا سيما مع توقعات بارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة الأمريكية لنحو 30 مليار دولار السنوات المقبلة بدعم غرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة ومجلس الأعمال المصرى الأمريكى.
ولفتت البيانات إلى ارتفاع قيمة التبادل التجاري بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية لتصل إلى 4.9 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2022 مقابل 4.4 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 13%.
13.2 % نموًا بقيمة الصادرات المصرية لأمريكا خلال النصف الأول من 2022
وزادت قيمة الصادرات المصرية للولايات المتحدة الأمريكية لتصل إلى 1.3 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2022 مقابل 1.2 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 13.2%.
وتمثلت أهم المجموعات السلعية التي صدرتها مصر إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال النصف الأول في ملابس بقيمة 744.4 مليون دولار، ولدائن ومصنوعاتها بقيمة 120.2 مليون دولار، وسجاد وأغطية أرضيات بقيمة 90.4 مليون دولار، وأسماك بقيمة 22.7 مليون دولار.
وسجلت قيمة الواردات المصرية من الولايات المتحدة الأمريكية 3.6 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2022 مقابل 3.2 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 13%.
وأشار الإحصاء إلى أن أهم مجموعات سلعية استوردتها مصر من الولايات المتحدة الأمريكية خلال النصف الأول تضمنت حبوب ونباتات طبية بقيمة 1.4 مليار دولار، والوقود والزيوت المعدنية ومنتجات تقطيرها بقيمة 592.5 مليون دولار، ومنتجات الصيدلة بقيمة 245.3 مليون دولار، ومراجل وآلات وأجهزة آلية بقيمة 204 مليون دولار، وطائرات وسفن فضائية بقيمة 123.4 مليون دولار.